لقد تتابع أدعياء المهدوية في الظهور على مر التاريخ الإسلامي منذ القرون الأولى، وإلى عهدنا الحاضر، من أصحاب الفرق وغيرهم من بعض الأدعياء من أبناء الخلفاء وبعض الواعظين والمتزهدين؛ وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «منهاج السنة» (8/259): (وأعرف في زماننا غير واحد من المشايخ الذين فيهم زهد وعبادة يظن كل منهم أنه المهدي وربما يخاطب أحدهم بذلك مرات، ويكون المخاطب له بذلك الشيطان، وهو يظن أنّه خطاب من الله) . وقد ظهر في هذه الأيام من المدعين بأنّه المهدي المنتظر، مخاطب المصلين بهذه الدعوة، ولقد رأيت ذلك بأمي عيني بالمسجد الحرام بمكة، وبمجرد أن يقضي الإمام من خطبته لصلاة الجمعة ، يقوم الواحد منهم رافعًا عقيرته قائلًا: «أنا المهدي المنتظر»! ويغلب على هؤلاء الاعتلالات النّفسية والرّوحية كما يؤكده بعض أطباء علم النفس المختصين، ويؤيده ما ذكره الإمام الحافظ ابن حجر في كتابه «الدرر الكامنة» (1/185- 186): في ترجمة أحمد بن عبد الله بن هاشم أبو العباس المعروف بالملثم حيث قال ما نصه: (ثم سلك طريق العبادة فحصل له انحراف مزاج فادعى في سنة 689 ه دعوة عريضة من رؤية الله تعالى في المنام مرارًا؛ وأنه أسري به إلى السماوات السبع؛ ثم إلى سدرة المنتهى؛ ثم إلى العرش؛ ومعه جبريل وجمع من الملائكة؛ وأن الله كلّمه وأخبره بأنه المهدي، وأن البشائر تواردت عليه من الملائكة، وأنه رأى النّبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه بأنّه من ولده، وأنه المهدي، وأمره أن ينذر الناس ويدعوهم إلى الله فاشتهر أمره فأُخذ وحُبس) . وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا وأمثاله من المدعين دعوى المهدوية في كتابه «منهاج السنة» (4/98) ما نصه: (لما كان الحديث المعروف عند السّلف والخلف أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال في المهدي: «ويواطئ اسمه اسمي؛ واسم أبيه اسم أبي» صار يطمع كثير من الناس أن يكون هو المهدي) . وصدق شيخ الإسلام؛ فقد طمع في هذه الدعوى البعض من الناس، وأصبح يتلقب بها ويدعيها؛ من أمثال محمد بن عبد الله الشهير «بالنفس الزكية»، الذي ينتظره بعض «الجارودية» ويدعون بأنه لم يمت، فقد قال عنه الإمام ابن كثير في «البداية والنهاية» (10/89): (تَلَقَّبَ بالمهدي؛ طمعًا أن يكون هو المذكور في الأحاديث، فلم يكن به، ولا تم له ما رجاه، ولا ما تَمَنَّاهُ، فإنا للَّه!). وقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه «الدرر الكامنة» (1/518) في ترجمة تمرتاش ابن النوين جوبان ما نصه: (كان شجاعًا فاتكًا إلّا أنّه خف عقله فزعم أنّه المهدي الذي يخرج في آخر الزمان؛ فبلغ ذلك أباه فركب إليه وردّه عن هذا المعتقد). وعليه ينبغي الحذر من الانجراف وراء هذه الدّعوات الباطلة؛ وما قد ينتج عنها من فتن عظيمة وجسيمة؛ لا يعقلها إلّا الراسخون في العلم؛ كما قال الإمام الحسن البصري فيما ذكر ابن سعد في «الطبقات» (7/166): (إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم؛ وإذا أدبرت عرفها كل جاهل). ومن تلك الفتن المتعلقة بدعوى المهدية الواقعة الشهيرة التي وقعت بالمسجد الحرام غرة شهر الله المحرم عام1400ه؛ فتسببت في استباحة الحرم، وقتل الأنفس البريئة، وترويع الآمنين؛ وهذا نموذج واحد من الآثار المترتبة على تصديق هؤلاء الأدعياء.