مصدر السعادة ، منبع الحنان ، رمز الأمن ، ضياء الأمان ، في كل مكان وآن، وجودها نور يبدد الظلام ، ظل وارف يقينا لهيب الحزن ، ونيران السقام، بلسم يداوي الجراح، يسقينا جرعات من حب نادر يزيد ويكبر معنا، عين جارية لاتنضب مادام العمر باقياً على قيد الحياة. تشبع إذا شبعنا ، تقاسمنا لقمة طعامها ، وكثيرا من الأحيان تجود بها ؛ إن قل الطعام ، أو أكلنا بنهم ، كنار أصابت حرث قوم على غرة ، فلم تبقِ ، ولم تذر . تسهر لياليَ متواصلات ، إن أصابنا مرض ، أو قلق أو اكتئاب ، لاتتضجر ولاتشتكي ، لسانها رطب بذكر الله ، ولا تفتر في الدعاء لنا بالشفاء وصلاح الحال تفرح لفرحنا ، وتحزن إن أصابنا مكروه ، لانكبر في عينها، وإن رأت أولادنا وبناتنا ، ترانا في عينيها غزلانا ، مكانتنا عندها ثابتة وراسية كالأعلام ، لا تهزها ريح ، ولا تحركها العواصف . إنها الأم ، حلوة اللبن ، وصاحبة القلب الكبير ، توأم الحب والحنان ، سكن من لاسكن له ، ودفء لمن ذاق سطوة البرد في ليالي الشتاء ، والبرد والسلام لمن أصابته لفحات حرارة الصيف في عز النهار . يقول أحد الشباب : في ذات ليلة من الليالي خطر ببالي أن أتناول وجبة العشاء برفقة زوجتي وأولادي في إحدى المطاعم القريبة ، وأخذت معنا أمي الغالية ، وبعد تناول وجبة العشاء ، رأيت ملامح الفرح والسعادة تبدو واضحة جلية على أمي ، ففرحت كثيراً ، وبدأت أتجاذب معها الحديث وما ألذه من حديث مع أمي الحبيبة الغالية ، فقلت لها : كيف العشاء يا أمي ؟ قالت عشاء طيب ولذيذ، ومكان راقي ونظيف ، ثم قالت : عشاكم الأسبوع القادم عليّ ، قلت ما أجملها من لحظات وأنتِ معنا ! قبل الموعد المحدد والمتفق عليه ، توفيت- رحمها الله تعالى - . وبعد زمن دخلت غرفتها ، وعيوني تذرف الدموع ، كل شيء في غرفتها يذكرني بها ، فوجدت 150 ريالاً داخل ورقة مكتوب عليها " فلوس عشاء محمد وأولاده " .