التقليد والمحاكاة، أمر طبيعي في كل الأحياء ، إنسان ، حيوان ، حشرات . الصغير يقلد ويحاكي من هو أكبر ؛ ليأخذ خبرة ومعرفة جاهزة بدون أدنى مجهود ، يلتقطها كما هي دون فلترة أو تمييز ، حاطب ليل ، غث وسمين ، صافٍ وكدر ، حلو ومر ، ماتقره المعايير الدينية والمجتمعية ، وماتنكره ، مايعزز القيم ، ومايهدمها ، سلاح ذو حدود ، قد يجود ، وقد يذل صاحبه ، أو يسود . الطفل يقلد ويحاكي والديه ، يولد صفحة ناصعة البياض ، على الفطرة النقية؛ فيهودانه ،أو ينصرانه ، أو يمجسانه . الطير يقلد أبويه في الطيران ، وتناول الطعام ، البحث في كل حدب وصوب عن كل مالذ وطاب من الطعام والشراب ، بل الطير ذاع صيته واشتهر ، هدهد سليمان، والغراب الذي قام بدور المعلم والموجه ، ذكر ذلك في القرآن الكريم ، في ثنايا قصة ابني آدم ، عندما قربا قرباناً ، فتقبل من أحدهما ، ولم يتقبل من الآخر ؛ فقتل الأخير أخاه ، ولكنه عجز أن يواري سوء أخيه فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ؛ ليعلمه كيف يواري سوءة أخيه . قال تعالى " فَبَعَثَ 0للَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِى 0لْأَرْضِ لِيُرِيَهُۥ كَيْفَ يُوَٰرِى سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَٰوَيْلَتَىٰٓ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا 0لْغُرَابِ فَأُوَٰرِىَ سَوْءَةَ أَخِى" وقد تنقلب الآية في التقليد والمحاكاة فيقلد الحيوان الإنسان بكل حرفية ؛ لتأمين أكله، أو شربه ، لتحقيق الأمان بأسهل الطرق ، وأقل مجهود ، فقد رأيت بأم عيني مشهداً في غاية الروعة ، يستحق وقفة تأمل جاد في خلق الله سبحانه ، فقد وهبها قدرات فائقة تتناسب وخِلْقتَه. هناك كلب باسط ذراعيه أمام " سوبر ماركت كبير "، ومكث يراقب حركات المتسوقين من وراء زجاج شفاف كأنه لجة شفافية متناهية ، حيث يبدو للرائي من بعد أن الأبواب مشرعة للداخلين والخارجين ؛ فرأى أن المتسوقين يعطون الكاشير شيئاً ؛ فتعطيهم بسكويتاً ، فذهب إلى الحديقة المجاورة ، وانتزع بفمه ورقة من غصونها الدانية ، وذهب إلى السوبر ، وناول الكاشير الورقة ؛ ليحصل على البسكويت ، فجارته الكاشير ،وأعطته البسكويت دون مقابل ، لكن من وجهة نظره ،وحسب تفكيره أنه أخذ البسكويت بمقابل ، كما فعل المتسوقون من قبل ، فكلما أحس بالجوع أخذ ورقة الشجر ،وذهب كعادته للكاشير ليعطيها ؛ ويحصل على البسكويت. إنه طبق نظرية التعلم موظفاً عملية النمذجة بحرفية متناهية ثم جعلها شرطا للحصول على الطعام، وعمم ذلك . إنه بافلوب عصره !!