النفط يرتفع بفعل مخاوف تعطل بالإمدادات من فنزويلا وروسيا    الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل سوق العمل    طائرات مسيرة واغتيالات نوعية تحولات في أدوات صراع موسكو وكييف    مناورات صاروخية إيرانية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 76 لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة    إسرائيل توسع تحركاتها من جنوب لبنان إلى الجبهة السورية    الارتباك المكاني عند الاستيقاظ صباحا    السكري وتأثيره الخفي على البصر    منصة إلكترونية لتسهيل أعمال مجلس التنسيق السعودي العماني    جزيرة خاصة للفائز بمسابقة منصة راعي النظر "سنام" ضمن مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل    زامبيا تخطف تعادلا مثيرا أمام مالي في كأس أمم أفريقيا بالمغرب    على مدى 5 أيام وبمشاركة 24 مدرباً وطنياً .. اختتام المرحلة الأولى من دورة "A" للرخصة الآسيوية بالرياض    المنح التعليمية ودورها في التنمية    أمين نجران يتفقد المشروعات البلدية بشرورة والوديعة    خطر الدراما وأثرها في خراب البيوت    لماذا تخاف وقد اختارك الله من بين الملايين    أمين الشرقية: المدينة العالمية بالدمام وجهة سياحية وترفيهية فريدة    مجموعة stc تعزز خدماتها الرقمية في مدينة القدية بشراكة السرعة لمنتزه Six Flags    الأمير سعود بن نهار يطّلع على خطط ومشاريع شركة المياه الوطنية    ورشة عمل تناقش الاستفادة من الدعم الحكومي لرأس المال البشري في قطاع الإعلام    تيين: شعوري استثنائي بالفوز ببطولة الجيل القادم لمحترفي التنس بجدة    الملحق العسكري في سفارة مصر بالمملكة يزور التحالف الإسلامي    "الشورى " يقر مشروع تطوير الاطار التشريعي للإجراءات الجمركية    المتصدّر يتعثر.. والعلا يقفز إلى الوصافة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق مهرجان القراءة ال 25    نجاح أول عملية للعمود الفقري بتقنية (OLIF) الحديثة بمستشفى الملك فهد بجازان    فريق طبي بمستشفى الإيمان العام يُجري عملية تلبيس مفصل الركبة بنجاح    سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعا 67 نقطة    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    جناح إمارة مكة المكرمة يقدم عرضًا تعريفيًا عن محافظات المنطقة ضمن مهرجان الإبل    الإدارة العامة للاتصالات والأنظمة الأمنية تدعم الجاهزية التشغيلية في معرض «واحة الأمن»    بين الملاحظة و«لفت النظر».. لماذا ترتاح المرأة للاهتمام الذي لا يُطلب !!    زراعة النخاع العظمي الذاتية تسجل نجاحها الثالث    مدرب نابولي: بلغنا النهائي بجدارة واستحقاق    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في جازان    شراكة نوعية لتعزيز الخدمات الصحية والمجتمعية في الباحة    سحب 5.5 ملايين متر مكعب من مياه الأمطار في الشرقية    تنوع بيولوجي في محمية الملك سلمان    خطط «الصحة» على طاولة أمير القصيم    «الشؤون الإسلامية» في عسير تنفذ 30 ألف جولة رقابية    معرض جدة للكتاب 2025 يختتم فعالياته    القراءة.. الصديق الذي لا يخذل    من هن النسويات؟    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    بناء القدرات وتبني الابتكار وتعزيز الشفافية.. السعودية تتقدم في مؤشر أداء الأجهزة الإحصائية    أكد على تمكين المستثمرين الصناعيين..الخريف: 790 مليار ريال مساهمة «ندلب» في الناتج المحلي    بهدف تعزيز بيئة العمل الداخلية.. وزير«الموارد» يدشن «الغرف الإبداعية» بالجهات الحكومية    تقدم في نزع الألغام ببابنوسة.. تحركات دبلوماسية لوقف النار في السودان    جهود أمين جدة وسرعة الإنجاز لشبكة تصريف الأمطار    أين يبدأ التنمر الوظيفي وأين ينتهي؟    ضبط متفجرات ومسيرات قرب دمشق.. الأمن السوري يفكك خلية تهرب الأسلحة لداعش    في أولى جولات كأس أمم أفريقيا 2025.. مصر تواجه زيمبابوي.. ومالي تصطدم بزامبيا    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    طربيات «موسم الخبر» تبرز فن تركي عبدالعزيز    أنغام تودع عاماً وتستقبل عاماً في «ليلة الحب»    ألمانيا: إصدار أكثر من 100 ألف تأشيرة في إطار لم شمل عائلات اللاجئين في 2025    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التغيّر الدلالي المرفوض

✒نعلم أن التفكير الإنساني دائمًا معرّض للتغير والتحول، والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي بنيت على التفكير الإنساني تتأثر بهذا التغير، وبما أنّ الألفاظ هي التي تعبّر عن هذا التفكير فلا بدّ لها من الخضوع للتطور والتغير، إنّ الألفاظ أشبه شيء بكائن حيّ، تنمو بنموّ الحياة الاجتماعية وتتحرّك بتحرّكها، والمعاني التي هي علاقة متبادلة بين اللفظ والمدلول تنمو بنموّ الألفاظ وتغيرها، وعلى هذا تتبدل مفاهيم بعض الألفاظ بمفاهيم أخرى.
والتغيّر الدلالي مصطلح من مصطلحات علم الدّلالة الحديث، ويطلق على تغيّر معنى الكلمة على مرّ الزمن بفعل إعلاء أو انحطاط أو توسّع أو انحصار أو انتقال؛ فتنتقل الكلمة من معنى إلى آخر، أو تضيف إلى معناها معنى آخر جديدًا، والغالب أن يحصل هذا التبدّل على مرّ الأيام وتقلّبات العصور، ويسمّى في هذه الحال تطورًا؛ لأنه انتقال بالكلمة من طور إلى طور.
لكن متى نعدّ هذا التغيّر الدلالي مرفوضًا؟
إنّ ما نلحظه على ألسنة أهل اللغة اليوم من تغيّرات دلاليّة جرت على ألسنة المثقفين والأدباء فضلًا عن العامّة يجعلنا نقف موقف الرفض لكثير منها؛ وليست النظرة من منطلق معياريّ بقدر ما هي ملاحظة البعد بين الدلالة المرادة من الإطلاق والدلالة الحقيقيّة للّفظ التي تنصّ عليها النصوص والمعاجم.
ومن صور ذلك استعمال بعض الناس (أعتقد) لدلالة (أظنّ)، فيقال: أين فلان؟ فيردّ: أعتقد أنّه خرج، وهذا خطأ دلالي؛ فالاعتقاد في اللغة يعني التصديق الجازم، والعقيدة –كما نعلم- هي الحكم الذي لا يقبل الشكّ فيه. وأقصد بالظنّ دلالة (الشكّ) لا اليقين؛ لأنّ (ظنّ) تأتي بمعنى (تيقّن)، ومنه ما ذكر الراغب في مفردات القرآن: { ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ } [سورة البقرة:249]. وقوله تعالى:{ڄ ڃ ڃ ڃ} [سورة القيامة:28]. وهذا مغاير لاستعمال الناس اليوم للفعل (أعتقد)، فهم يريدون به (الظنّ) بمعنى الشكّ.
كذلك استعمالهم (التنويه) قاصدين بها (التنبيه)، والتنويه ليست كالتنبيه؛ فلا تصلح أن تستعمل للمعنى نفسه؛ فالتنويه في اللغة هو الثناء والإشادة؛ لذلك لا يصحّ القول: (لزم التنويه) والمقصود: (التنبيه). يقول الزمخشري في أساس البلاغة: "نوّه: نوّهت به تنويهًا: رفعت ذكره وشهرته، وأردت بذلك التنويه بك... ونوّهت بالحديث: أشدت به وأظهرته". ويقول صفي الدين الحليّ:
فكيفَ أرومُ أن أجزيكَ صُنْعًا وأيسرُ صنعِك التنويهُ باسمي()
ومن الدلالات المرفوضة استعمال (ثنايا) بمعنى (أثناء)، فكثيرًا ما يرد في كلام الباحثين: (ورد ذكر ذلك في ثنايا البحث)، قاصدين أنّه ورد في أثناء البحث، وبين سطوره وصفحاته، وهذا خطأ، فلم يرد عن العرب استعمال (ثنايا) بهذه الدلالة، فمن دلالاتها الأسنان التي في المقدّمة، يقول المتنبي:
وتفترّ منه عن خصال كأنّها ثنايا حبيب........()
ومن دلالاتها الثنايا جمع ثنيّة، وهي الطريق في الجبل، يقول العجّاج:
وللعراقِ في ثنايا عيهمِ()
ويستعمل كثير من الناس (تبرير) بمعنى (تسويغ)، والتبرير مأخوذ من الفعل (برّر) المزيد بتضعيف عين الفعل، ولم يستعملها العربي، وإنّما استعمل (برَرَ) بمعنى صدق أو قبِل. وقد أضفى مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة على هذا الاستعمال صفة الصواب استنادًا إلى قرار قياسية تضعيف الفعل للتكثير والمبالغة، ولكن بقيت النفوس رافضة لهذا الاستعمال لدلالة التسويغ.
ويستعمل الكثير كلمة (تعتبر) وما تفرّع منها في معنى كلمة (تعدّ)، فيقولون: (تعتبر القراءة مصباح العقول)، والصواب: (تعدّ القراءة...)، وقد استعملها كثير من أرباب الأدب، والاعتبار من العِبرة، لقوله تعالى: {ۅ ۉ ۉ ې} [سورة الحشر:2]. فيجب الدقّة عند استعمال اللفظ لدلالة بعينها، وقد وردت (تعدّ) بالدلالة المقصودة في كتاب الله، يقول تعالى: {ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ڀ ڀ} [سورة ص:62]. فلم يقل: (نعتبرهم)، وقد استعمل العرب قديمًا (نعدّ)، ولم يستعملوا في الموضع (نعتبر)، يقول عنترة:
يا قيس أنت تعدّ نفسك سيّدًا وأبوك أعرفه أجلّ وأفضلا()
ويقول لبيد:
جراثيم منعن بياض نجد وأنت تعدّ في الزّمع الدواني()
ومثله كثير في الأدب.
ومن هذا القبيل استعمال لفظ (مقارنة) للدلالة على (الموازنة)، فيقولون: قارن بين كذا وكذا، وقالوا: علم اللغة المقارن، والأدب المقارن... والمقارنة في اللغة هي المصاحبة، يقول طرفة:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكلّ قرين بالمقارن يقتدي()
ويقول ابن دريد:
كيف التخلّص من مقارنة الهوى والجسم ملتبس به منهوك()
أي مصاحبة.. ويقول ابن منظور: "وقارن الشيء الشيء مقارنة وقِرانًا: اقترن به وصاحبه..." فلم يستعمل العربي (مقارنة) إلّا للمشابهة والمصاحبة، وقد استعمل لاستخراج الصفات المشتركة والمختلفة بين شيئين لفظ (موازنة)، وسمّوا الكتب بها، ومنها: (الموازنة بين الطائيين). والأدقّ في الاستعمال لفظ (موازنة) ومشتقاتها().
الأخطاء التي ترد في الاستعمال تجلّ عن الحصر، ومن أسبابها البعد عن اللغة في منابعها الأصيلة، وإلف لفظ لدلالة معيّنة مع أنّ هذه الدلالة غير صحيحة، ولو تعاطينا اللغة من النصوص لقلّت التغيّرات الدلاليّة الخاطئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.