هذا المقال ليس اقتصاديا، وإن تمرد الاقتصاد فيه وظهر، فقد أثارتني أخبار عدة في الأيام الماضية أولها وأهمها وأخطرها هو أن 74 في المائة من الذين أجروا عمليات السمنة عادوا إلى أوزانهم خلال خمس سنوات من العملية، و30 في المائة منهم قد تجاوزا الأوزان السابقة قبل العملية. هذا الخبر مزعج جدا، خاصة أن مضاعفات عمليات السمنة على المدى الطويل غير معروفة بعد، وهنا اتهامات بأنها قد تتسبب في فقدان بعض الفيتامينات مع ضعف قدرة المعدة على الامتصاص، لكن المحزن -وهنا يتمرد الاقتصاد- أن متوسط الإنفاق على هذه العمليات والنقاهة منها يتجاوز 50 ألف ريال، ومع ذلك فإن احتمالات فشل النتائج مرتفعة جدا مع عودة الوزن إلى وضعه السابق وهذا يعني خسارة اقتصادية، فهذه العمليات تستهلك ميزانية الأسر وأيضا مساحة العمل في المستشفيات، والسبب في هذه الخسارة والألم والإحباط بسيط جدا، وهو سوء التشخيص الطبي ومن ثم القرار. وللخروج من مأزق المصطلح الطبي، فإن التشخيص ببساطة هو معرفة أين المشكلة، فالمسألة كلها تتعلق بدراسة القرار الطبي، ولابد أن يبدأ القرار الصحيح من تحديد صحيح ودقيق جدا للمشكلة وأن يمضي الطبيب نصف وقت العلاج في فهم مشكلة المريض بدقة ويتخلى عن متلازمة الحالة الطبية السائدة. للأسف معظم الأطباء الذين تعاملت معهم في حياتي يتجاوزون مسألة التشخيص الدقيق، على أساس أن لديه خبرة واسعة من كثرة المراجعين للأعراض نفسها، فهو لم يعد لديه حافز للتأكد أن مريضه الجالس أمامه الآن الذي يصف الأعراض نفسها المعروفة للمرض المنتشر نفسه هو في الأصل حالة مختلفة، وهذا خطأ قراري شهير جدا، ويقع فيه الخبراء بلا استثناء وفي أي تخصص، التعميم غير المنضبط. لكن تكلفة هذا الخطأ في الطب جسيمة جدا، وبالعودة إلى مشكلة المقال وهي: الخطأ في تشخيص مشكلة السمنة عند كثيرين وأنها تنحصر في الشهية المفتوحة للأكل واتساع مساحة المعدة، وأن الحل هو الجراحة، لكنَّ قليلا من الأطباء -في هذا المجال- من يجرب حلولا أخرى قبل العملية ومن ذلك اتهام التحسس للأكل، ولست متخصصا هنا حتى أتعمق أكثر لكن من باب "اسأل مجرب"، فقد شهدت حالة صديق لم يتجه لقص المعدة إنما لبرنامج تحليل الغذاء واكتشف أن لديه تحسسا من بعض المأكولات والأغذية وتم التوقف عنها وانخفض وزنه بشكل لافت. إذن المسألة تتعلق بالطعام ونوعه أكثر مما تتعلق بمعدة وجراحة. وهنا أتذكر مقولة الحارث بن كلدة طبيب العرب المشهور "المعدة أصل الداء والحمية رأس كل دواء". والمسألة في هذه المقولة ليست ذات علاقة بالتخمة وملء المعدة بل تتعلق بنوع الغذاء الذي يجب تناوله أو الحماية منه. مشكلة الغذاء في بلادنا أكبر من مأساة فشل عملية جراحية لتخفيف الوزن، بل هي مشكلة غذاء، وهناك اليوم من أنواع الأكل المحفوظ خاصة للأطفال ما يكتب عليه بلغة المصطلحات الكيمائية الإنجليزية تحذيرا واضحا معناه تأثير في الكلى، ومع ذلك يتم تداوله في جميع الأسواق، وقد لمست شخصيا تأثيره السلبي في أبنائي، والحيمة من هذه المأكولات كانت هي الحل وليست الدواء، وانتشرت اليوم في المدارس مأكولات من هذا النوع وأخرى خطيرة جدا، وفيها مواد مضافة "حراقة" ذات تأثير سلبي في صحة الأطفال ومع ذلك تباع بكل بساطة في المدارس، والسؤال ونحن نشهد هذا الوضع الصعب جدا لأبنائنا الذين فشلت لديهم العمليات الجراحية بسبب نوع الطعام، وأيضا نشهد أمراضا تنتشر بين الأطفال بسبب الغذاء، أين وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء من كل هذا؟ كيف تتم ممارسة كل هذه العمليات الجراحية بينما 74 في المائة تفشل، ويعود الوزن للارتفاع لأسباب أخرى غير اتساع حجم المعدة، ثم أين هيئة الغذاء من تحديد ونشر قائمة بأنواع الأغذية في المملكة التي لها تأثيرات سلبية بين فئة واسعة من المجتمع -مثل: تأثير الجلوتين في القمح وتأثير الفول السوداني- وتظهر في شكل التحسس الشديد؟، بعض هذا التحسس قد يتلف حياة إنسان. وأين يمكن أن نجد مأكولات صحية لمن يعاني هذا النوع من التحسس؟ وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن ما تم إعلانه بشأن الماء والصوديوم وأيضا ما تم تداوله بشأن ماء زمزم، يشير مرة أخرى إلى أن المشكلة في الطب والأطباء بشأن التشخيص الدقيق للمشكلة، والوصف الدقيق للحالة، والقفز على النتائج قبل استكمال مرحلة الفهم، وإذا كانت وزارة الصحة قد حسمت الأمر بشأن ماء زمزم فإن التصريحات الطبية المتضاربة بين المختصين في ظل وجود هيئة الغذاء والدواء تجعل من الضرورة بمكان أن تراجع الهيئة دورها في المجتمع وأن تقيم قدرتها على الوصول، وأن هناك فجوة كبيرة بين مشكلاتنا الطبية والنفسية وبين الاهتمام بالغذاء ونوعه.