✒*المتقاعدون شريحة اجتماعية موجودة وتتزايد في مختلف بلدان العالم ، فالتقاعد يعد المرحلة النهائية للعمل الوظيفي ، فلابد لكل موظف أن يترك عمله يوما ما ليفسح المكان لغيره وهكذا ، لذلك كان من اللازم على كل موظف أن يكون مستعدا لهذه المرحلة بحيث يتقبلها بشكل طبيعي وإيجابي ويتأقلم مع التغيرات التي تطرأ على حياته بسبب هذا التقاعد ، فهناك تغييرات تحدث في حياة الموظف حال التقاعد تؤثر وتغير في أسلوب حياته وروتين معيشته التي ظل ملازما له لسنوات طوال قبل أن يحال للتقاعد ، لعل من أبرزها التغييرات النفسية حيث يصاب البعض بالاكتئاب والملل جراء البقاء في البيت وعدم وجود برنامج لتغطية الفراغ الناجم عن ترك الوظيفة ، والبعض يتأثر نفسيا لتركه منصبه الوظيفي حيث كان فيه الآمر الناهي ، فالأمر كالخمر كما قيل قديما أي أن السلطة إدمان فيتأثر المتقاعد بهذا خاصة إذا شعر أن من حوله لم يعودوا يقدرونه كما السابق حين كان له مركزا وظيفيا مرموقا والجميع يحترمه ويحتاج مساعدته وبالتالي فإن شعور المتقاعد بفقدان السلطة والسيطرة تدفعه إلى أن يفرغ طاقته في من حوله من أفراد أسرته فيبالغ التدخل في شؤون حياتهم ، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الخلافات الأسرية إضافة إلى المشاكل النفسية . كما أن هناك مشاكل اقتصادية واجتماعية ، فالمرتب ينخفص بسبب التقاعد ويتغير المستوى المعيشي تبعا لذلك الأمر الذي يصيب المتقاعد بالإحباط ، وخاصة من يفقدون الكثير من الميزات التي كانوا يحصلون عليها بحكم طبيعة عملهم مثل العلاوات والسيارات والمكافآت ، كما تبرز مشاكل اجتماعية جمة في مرحلة التقاعد مثل الوضع داخل الأسرة ، فعلى سبيل المثال قد تجد الزوجة تغيرات لا ترضاها في تصرفات زوجها وتجده يتدخل في كل صغيرة وكبيرة ويصطنع الخلافات من أتفه المخالفات فتزيد المشاكل الأسرية بشكل كبير ، ومن جانب آخر فإن نظرة المجتمع أحيانا إلى المتقاعد على أنه أصبح عضوا غير فاعل يشعره بالدونية ويدفعه إلى العزلة والابتعاد عن ممارسة النشاطات الاجتماعية . إن بروز مثل هذه المشاكل خلال فترة التقاعد يدعو إلى إعادة النظر في وضع هذه الشريحة الاجتماعية والتوعية بخصوصيتها وبالتالي وضع خطط مستقبلية من قبل الموظف نفسه تجنبه مثل هذه المشاكل ، وكذلك من الواجب تفعيل دور جمعيات التقاعد ودعمها لما لها من دور في معالجة مشاكل التقاعد من خلال برامجها الهادفة إلى كسر الروتين والملل ، كما يجب على الأسرة أن تدرك خصوصية هذه المرحلة وبالتالي مساعدة المتقاعد في تغطية وقت فراغه بما يناسب فالفراغ قاتل كما يقال فما بالنا بفراغ يقع فيه شخص قضى جزء كبير من عمره في العمل والإنجاز ، وعلى كل فإن البعض ينظر إلى التقاعد على أنه العمر الثالث وهو المرحلة الأفضل للاهتمام بالذات والقرب من العائلة والأقارب وإنجاز ما تأجل إنجازه بسبب الانشغال وعدم توفر الوقت ، لذلك نجد أن هناك من المتقاعدين من يرى في فترة التقاعد فرصة للراحة والتأمل وجني ثمار سنوات العمل والكفاح فنجد من المتقاعدين من يعكف على القراءة والتأليف ، والبعض يسخر نفسه للعمل الخيري ومساعدة الآخرين ، البعض يقضي وقته مع أصدقائه وفي السفر والتنزه ، والبعض يعتكف على الطاعة والعبادة وملازمة المساجد وقراءة القرآن ، وكأن هذه النماذج من المتقاعدين عرفوا أن أشياء مهمة قد فاتتهم بسبب العمل الوظيفي وبالتقاعد يكون الوقت قد حان للتعويض عما فات ، فهم يدركون أنهم فقدوا العمل والمناصب ولكنهم كسبوا الوقت وهذه فرصة لكثير من الأعمال الصالحة والحسنة وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن خير الناس فقال ( من طال عمره وحسن عمله) .*