الكل يتحدث عن الفساد ، والكل يعلم ، ويعرف ، ويدرك تفشي الفساد في مفاصل حيوية في الدولة 0 وكما هو الحال في الإرهاب ، ليس السؤال الآن : كيف نشأ الفساد؟ ولكن السؤال : ما هي مصادر تغذية الفساد ؟ فتجفيف منابع الفساد لا تقل أهمية عن تجفيف منابع الإرهاب ! ومن منطلق أنه لا يمكن واقعيا ولا منطقيا وضع الكل في دائرة واحدة فالوطن يزخر بالعقول والأفكار الإيجابية وبالأشخاص الأكفاء والمخلصين للوطن وفي مختلف مجالات ومواقع المسؤولية إلا أن العبرة في النهاية تكون بالغالب المؤثر حتى لو كان الأقل 0 وفي تقديري الشخصي اعتقد أنه من الواضح إدراك قوة الترابط والتداخل القائم على المصلحة الذاتية لعدد من العناصر التي تشكل مجتمعة ما يمكن أن نسميه "لوبي ضغط" حقيقي له حضور مؤثر في صناعة القرار والإجراء التنظيمي والتنفيذ والرقابة 0 ومن هنا استطيع القول أن من التأثير السلبي لهذا "اللوبي" تشكل عقبة كوداء ليس فقط في طريق المسيرة التنموية وتقدم المجتمع بل في طريق أي محاولة لإصلاح ما أفسده سوء التخطيط والرؤية الضيقة والارتجالية وربما العنصرية والجهوية ، وليس فقط في طريق تحقيق أية أهداف من شأنها بلوغ المواطن ذلك المستوى الذي يتناسب مع ما تفرضه حقوق المواطنة ومع ما تملكه الدولة من ثروة مادية وإمكانات هائلة بل في طريق كل ما يمكن أن يكون له تأثير إيجابي لكشف كل ما يشكل امتهانا لكرامة المواطن وجعله يتوسل 00 نعم يتوسل ويستجدي المسؤول في كل إدارة تعنى بأمر من شئؤن حياته ، ولم يكن تأثير تحالف تلك العناصر السلبي قاصرا على خنق المواطن بالغلاء غير المبرر والتضييق عليه في معيشته وسكنه وصحته وعمله بل أمتد ليشكل مع عوامل أخرى دورا سلبيا مؤثرا في حرمان المجتمع من تنمية موارده البشرية وتفجير طاقات وقدرات أبنائه 00 فإذا علمنا أن القطاع الخاص بالمملكة ينفق سنوياً على "الرشاوي" ما يتراوح بين 20 إلى 30 بليون دولار، بينما تبلغ فاتورة الفساد حسب تقارير البنك الدولي حوالي "2" تريليون دولار وفقا لما نشرته وكالة أخبار المجتمع السعودي ، فأن السؤال المهم هو : لمن تدفع هذه المبالغ الضخمة ، ومن المستفيد منها ، وما هي المكاسب التي تعود لدافعي "الرشاوي" بغض النظر عن فاتورة الفساد ككل ؟! بالتأكيد ، لن يدفع "رجال الأعمال الفاسدين" هذه المبالغ إلا لمسؤولين كبار فاسدين !! وبالتأكيد ، لن يدفع "رجال الأعمال الفاسدين هذه المبالغ إلا لتعود عليهم بمكاسب أكبر من قيمتها! وبالتأكيد ، لن يدفع المسؤولون "الكبار" فاتورة هذه المبالغ من حساباتهم الخاصة بل من يدفعها أثنين 00 هما : المواطن ومشروعات التنمية والمصالح الخدمية العامة التي تعنى بمصالح المواطن وحياته الصحية والاجتماعية والمعيشية والسكنية 00 إذن المواطن هو الخاسر الأول والأخير 0 وبالتأكيد ، لن تمر هذه المبالغ وعائداتها إلا بدعم "وخدمات مساندة" وعلاقات عامة ! / ليست خفية ! بل تتكون من شبكة من المصالح الخاصة المتشابكة والمتداخلة (قد لا يكون بعضها مادي) 00 فمن (قاض) غير نزيه ، إلى مسؤول يأكل (الفسيخ) ، إلى صحفي يبحث عن رضا المسؤول ، إلى صحيفة لها مصالحها وعلاقاتها (الأهم) ، إلى إعلامي منافق ، إلى كاتب صحفي "مسترزق" ، إلى نافذ له مصالحه وحساباته ، إلى أنظمة ولوائح قديمة ، عاجزة ، ومطاطية يمكن القفز فوقها بسهولة بالغة ! وأخيرا 00 بالتأكيد ، تلك المبالغ التي ينفقها رجال الأعمال (الشرفاء!) هي فضلا ، وعدا ، وغير عن سرقات أولئك المسؤولون أنفسهم من نفقات المؤسسات والأجهزة الحكومية وميزانياتها السنوية والتي يظهرها بجلاء فساد ورداءة مستوى البنية التحتية لكل مؤسسة خدمية وفساد ورداءة الخدمة فيها !! وهذا يعني أن أولئك المسؤولون الفاسدون يقفون على "شارعين" 00 أحدهما رشوة رجال الأعمال (30 بليون دولار سنويا ) والآخر ميزانيات المؤسسات التي يقومون عليها التي تنفقها الدولة مضاعفة في كل عام ولا يرى لها أثرا على أرض الواقع !! 00 وبنفس الطريقة ، وبذات الشبكة "المصالحية" المترابطة التي "تمرق" من خلالها "رشاوي" رجال الأعمال وتعود إليهم مكاسبها "تمرق" الفوارق الكبيرة بين ميزانية كل قطاع منهوب وبين واقع بنيته التحتية الخربة ومستوى مخرجاته الرديئة البائسة ، وبين قيم تنفيذ إنشاء المشروعات الحقيقية الأقل وقيمها الكبيرة المصروفة فعلا 0! إذا نحن نتحدث عن شبكة متداخلة ومترابطة و"أخطبوطية" تمتد أذرعها في جميع الاتجاهات لتحيط بكل شيء في الوطن وعلى أرض الوطن وتحت الوطن وربما خارج الوطن 00 وهنا نستطيع القول : أن مصادر الفساد وجذوره ليست خافية كما قيل في مؤتمر هيئة مكافحة الفساد الأخير ، أو كما حاول البعض إيهام السذج من العامة بأن وراء كل سرقة (دسمة) جني مبتز !!