معذور كل من يضرب كفيه من علاقة أمريكا بإيران , علاقة تبدو كطرفي المقص , يتباعدان جدا أمام الناظر في حين أنهما يلتقيان في نقطة واحدة ينطلقان منها ولا يفارق أحدهما الآخر , فما بين عداء ظاهر وحرب كلامية شديدة وتهديد دائم بالحرب في حين يجزم المراقبون أنهما لن يكون بينهما في يوم من الأيام حرب إلا على تقسيم نسب الغنائم فقط في الغنيمة الكبرى وهي دول العالم الإسلامي . وبين الاثنين مصالح مشتركة كثيرة لا يجرؤ أحدهما على المساس بها وما يفعله كلاهما سوى التلويح فقط والنزاعات الكلامية وحرب التصريحات , فما بين الشيطان الأكبر ودولة محور الشر – بحسب تسمية كل منهما للآخر – مضيق هرمز ذلك المضيق الاستراتيجي الذي يربط بين الخليج العربي وخليج عمان ويعبر من خلاله نحو 16 مليون برميل من النفط يوميا أي ما يعادل خمس تجارة العالم من النفط والذي لا تستطيع إيران ولا ترغب أن تغلقه , ولا تقبل أمريكا ولا تتصور أن إيران تفعل ذلك . فالاتصالات قائمة ومتصلة ولا مجال لمجرد التصور أن العلاقات مقطوعة بينهما حتى تحتاج أمريكا إلى تسريب خبر بأن هناك وسيطا سريا بينهما . فكما أعلنت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن : "إدارة الرئيس باراك أوباما تعتمد على قناة اتصال سرية لتحذير خامنئي من أن إغلاق مضيق هرمز يعد "خطا أحمر" من شأنه استفزاز واشنطن وسيدفعها للرد على تلك الخطوة" , ولكن الصحيفة أعلنت عدم معرفتها بقناة الاتصال السرية لأن المسئولين الأمريكيين رفضوا الإفصاح عن تلك الواسطة غير المألوفة بينهما . وكانت حرب التصريحات قد اندلعت بينهما منذ فترة ولكنها زادت وتيرتها بعد مقتل العالم النووي الإيراني مصطفى أحمدي روشن , والذي اتهم قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي بقتله كلا من المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” و”الموساد” “الإسرائيلي . وأطلقت إيران تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز واعتبرته كما ذكر قائد سلاح البحرية الإيراني العميد سياري في حديث لقناة "برس" الناطقة بالإنجليزية أن : " إغلاق المضيق سهل جدا للقوات المسلحة الإيرانية ويشبه شرب كاس ماء وإن إيران تمتلك القدرات لإغلاق المضيق بغاية السهولة " وترد عليها الولاياتالمتحدة أيضا في سجالات كلامية فقط على لسان الكثير من قياداتها السياسية والعسكرية ومنهم مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة قائلا : "الولاياتالمتحدة ستتخذ رد فعل وتعيد فتح مضيق هرمز في حال إغلاقه، وهو الأمر الذي يمكن إنجازه عن طريق الوسائل العسكرية من بينها كاسحات الألغام والسفن الحربية فضلاً عن ضربات جوية محتملة". وتدرك أمريكا كما تدرك إيران أيضا أن هذه التهديدات بإغلاق المضيق هي عملية نحر سياسي واقتصادي لإيران لأنه عن طريق هذا المضيق تخرج الصادرات النفطية الإيرانية للعالم وعن طريقه أيضا تأتي الواردات الغذائية والاستهلاكية , وربما يكون من أحد أهداف التهديد الإيراني محاولة لرفع السعر العالمي للبترول وصرح بذلك أحد مستشاري الرئيس أوباما السابقين وهو دينيس روس قائلا " إن إيران بهذه الخطوة سوف تأخذ عهدا على نفسها بالفقر , ولا أعتقد أنهم سيلجأون إلى التضحية بأنفسهم ". ولكن اللافت للنظر هو مبالغة الجانب الأمريكي في وصف قوة الأسطول الإيراني وأنه يضارع – بحسب ما نقلت نيويورك تايمز عن ديمبسي " أن إيران لديها نوعان من البحرية: الأول بحرية الدولة الإيرانية وهي السفن العتيقة الكبيرة التي يعود تاريخها لحقبة الشاه الإيراني ، والأخرى تعود لقوات البحرية التابعة للحرس الثوري التي تعتمد في أسلوبها على تكتيكات حرب العصابات " وأن إيران " قامت خلال العقدين الماضيين بالاستثمار في شراء الأسلحة والألغام والأساطيل ذات الزوارق السريعة المحملة بالأسلحة والصواريخ المضادة للسفن وهي الوسائل العسكرية التي أضحت تشكل تهديدا لأقوى القوات البحرية على مستوى العالم ". وتكاد تكون تلك الحرب الكلامية تسويقا للقوة العسكرية الإيرانية في مواجهة جيرانها العرب لفرض الهيمنة الإيرانية على الخليج العربي ولإرهاب الدول الخليجية المجاورة وربما لفرض وتكريس واقع جديد وخاصة في ظل اقتراب النظام السوري من السقوط , فالعلاقة الإيرانيةالأمريكية متينة للحد الذي يتعاونان فيه على التهام دولة مثل العراق ولعلهم الآن على موعد آخر مع دولة عربية أخرى المصدر : موقع مركز التأصيل للدراسات والبحوث