العلماء الربانيون والحكام العادلون هم صمام أمان مجتمعنا السعودي المسلم ، فالعلماء يبينون الحق للناس والحكام يحملونهم عليه ، وقد أثبتت الأحداث أن الأمة في مواطن الفتن لا تنزع إلا لعلمائها ولا تلتفت إلا لدعاتها وأهل الخير فيها وهي جبلة لا تكاد تفارق أهل الفطر السوية والعقول الراجحة سواء كانت هذه النزعة على مستوى الأفراد أو على مستوى الجماعات . يطلِّق الرجل زوجته فإذا انقشعت الغشاوة عن عينيه لم يبحث له عن طبيب ولا مهندس ولا ضابط ولا ملياردير ليعيد الطمأنينة لحياته الأسرية .. لا .. إنما يبحث عن أهل العلم الشرعي يستفتيهم لإعادة استقرار حياته الاجتماعية . يمرض أحدهم أو يصاب قريبة بداء عضال مادي أو معنوي فيبحث عن الصالحين من أهل العلم والعبادة باحثا عن رقية شرعية تستند على الوحيين شاعرا من سويداء قلبه بارتياح شديد لما يسمع من كلام الله أو من دعاء رجل صالح تستجلب السماء بدعائه ولو كان ذا طمرين مدفوعاً بالأبواب غير أنه لو أقسم على الله أن يشفي المريض لأبره وشفاه في وقت تعجز فيه مؤسسات الطبابة أن تفعل شيئا . يجتمع أهل الطب كلهم على اختلاف تخصصاتهم وأهل الهندسة كلهم وأهل الأموال كلهم والعساكر كلهم بجميع رتبهم فيحكمون بقتل فلان فلا يلتفت لكلامهم أحد ، فإذا حكم طالب علم شرعي واحد يقال له ( القاضي ) بقتله ، ورفع الحكم لأشياخه القضاة الكبار أهل العلم الشرعي وميزوا الحكم قتل صاحبه .. بمعنى أن الذي يملك - بشرع الله - إبقاء هذه النفس تنعم بالحياة أو ترحل عنها هم أهل العلم بالشريعة الموقعون عن الله رب العالمين . توحيد دين الناس في .. عقيدتهم .. صلاتهم .. صيامهم .. زكاتهم .. حجهم لبيت الله .. دمائهم .. أموالهم .. أعراضهم الخ ... كلها مرتبطة بعلماء الشريعة ودعاتها وقاية وعلاجا. علاقة الحاكم بالمحكوم .. حق الراعي على الرعية .. حق الرعية على الراعي .. أمنة الأرض من الهلاك .. سُرُجُ الضياء في مدلهمات الظلم .. أدلاء الناس على الله .. حمَّالو ميراث الأنبياء .. محركو القلوب نحو اجتماع الكلمة ووحدة الصف ونبذ الفرقة .. مفوِّتو الفرصة على المغرضين .. الخ ... كل هذه المعاني مرتبطة بعلماء الشريعة ودعاتها .. كيف لا وهم الذين استشهدهم الله تعالى - معه سبحانه ومع ملائكته المقربين - على أعظم مشهود عليه في الدنيا ألا وهو ( توحيده ) سبحانه : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألو العلم ... ) . ما الفخر إلا لأهل العلم إنهمُ ... على الهدى لمن استهدى أدلَّاءُ ... فاظفر بعلمٍ ولا تبغِ ( ي ) به بدلاً ... الناس موتى وأهل العلم أحياءُ وقد أراد الله تعالى أن يجعل لنا في هذه الأحداث الملتهبة التي تجري من حولنا شاهدا على أثر هؤلاء العلماء في تثبيت الناس وحملهم على المسالك الراشدة ، التي تؤكد دوما على خطورة مفارقة الجماعة ، وتلفت بصفة مستمرة إلى عواقب الأفعال غير المدروسة سواء كانت أفعالا فردية أو جماعية . وإذا كانت النجوم علامات يهتدي بها المسافرون كما قال ربنا الكبير المتعال : ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) فقد شبِّه أسلافنا رحمهم الله العلماء في الأرض بالنجوم في السماء ، إذا غابت النجوم في السماء ضل الناس في ظلمات البر والبحر ، وإذا غاب العلماء أو غيبوا ضل الناس وتحير المسافرون إلى ربهم وظهر الفساد في البر والبحر . وحين اهتدى الناس لوأد الفتنة ببيان علمائنا الأجلاء كان من الواجب علينا حكاما ومحكومين شكر هذه النعمة العظيمة – نعمة وجود العلماء بين أظهرنا – لا أن يكون كفرها بتلك التحرشات الإعلامية الظالمة - قبل الأزمة وبعدها - باستهداف هذه النجوم المضيئة من علمائنا ودعاتنا ومؤسساتنا الشرعية ، وقد آن لكل صوت مضلل يطاول الهامات الباسقة أن يقصر ، فإن لم يفعل بدافع منطقي وواعظ ذاتي موضوعي يمليه عليه واقع هذا الأثر في حفظ المجتمع ، فلا أقل من أن يقوم ولاة الأمر بقطع كل لسان يستهدف هذه النجوم بالتشويه والإسقاط ، فإن حفظ مكانتهم حفظ للقرآن والسنة وصيانة لشخصية الدولة السعودية التي قامت على الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة ، كما أن حق العلماء على العامة هو التقدير والإجلال والنصرة فإن تعظيمهم من تعظيم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحفظ مكانتهم حفظ لمقدرات الدنيا والدين ومعلم من معالم البقاء على كلمة سواء . إن العلماء الربانيين يحملون رؤىً تستمد وهجها وعمقها وقوة تأثرها من وحي الله المقدس فتعكس في واقع الناس عمق الغور وبعد النظر ، وقد كان بيان علمائنا الكبار في الأحداث الجارية بلسماً شافياً وعلاجا ناجعا في زمن كادت الفتنة أن تطل بقرونها الشوهاء ، فعصم الله - برشاد علمائنا وحكمة ولاة أمرنا بعد فضله ومنته - دماءنا وأموالنا وأعراضنا ، ونمنا ليلتنا هانئين مطمئنين ولو لم يكن عند الفرد منا سوى قوت يومه وليلته .. فلكم الله يا حاملي ميراث النبوة ما أعظم أثركم على الناس وما أقبح أثر الناس عليكم . لقد تنادت حناجر السوء وألسنة الفتنة إلى إشعال فتيل الفوضى في بلادنا ليكون وقودها فلذات أكبادنا وأموالنا وأعراضنا وأمننا واستقرارنا ، وحاول الأشرار المتربصون التقليل من مكانة علمائنا ودعاتنا وخطبائنا وأئمة مساجدنا في حياتنا الاجتماعية وتسمروا بعد صلاة الجمعة الفارطة أمام الشاشات يرتقبون المظاهرات والاعتصامات والفوضى والاضطرابات وهم على الأرائك متكئون لا يخافون على نفس ولا مال ولا عرض . وحين نشرت وسائل الإعلام قَبْلاً وتلت منابر الجمع بَعْداً بيان هيئة كبار العلماء في بلادنا فإذا الناس كلهم - على اختلاف ثقافاتهم وتنوع مشاربهم - أمام نار ونور ، وبلسم وحنظل ، وداء ودواء ، كان ناراً وحنظلاً وداءً على المرتزقة البلطجية الذي لا يحبون أن يقوم هذا الكيان على الإسلام ودعوته السلفية المباركة ، ولا يريدون أن يكون لأهل العلم مثل هذا الدور المشرف ديانة لله تعالى قبل كل شيء ثم طاعة لولاة الأمر ودعوة لاجتماع الصف ونبذ الفرقة ، وكان نوراً وبلسماً ودواءً للأمة السعودية حين سرى في قارتها المترامية شعاع هذا البيان فبعث الله في جنباتها معالم النجاة من الفتنة ، ورد الله الذين كفروا وضلوا وظلموا وأفسدوا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً .. وأنزل الذين ظاهروهم من قاطني ديار أهل الكتاب وأهل فارس المجوس من صياصيهم الفكرية وحصونهم المذهبية وقذف في قلبوهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ويلعنون مكرهم بألسنتهم وألسنة الموحدين . وحين انقلب السحر على الساحر ( وظاهرت ) أجسادهم أرواحهم الشريرة قائلة لها : ( أنتِ علي كظهر أمي ) نامت مملكتنا تلك الليلة نومة العروس وهي تبتهل إلى الله تعالى أن يجعل شكرها لهذه النعمة مزيدا من برامج الإصلاح على هدي من كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .. ولا نامت أعين الخونة والمرتزقة ودعاة الفتنة ، ولتظل بلادنا بدينها وولاتها وعلمائها شامخة عزيزة لا تزداد مع الشكر إلا ثباتاً ، ولا تجد مع الإصلاح الشامل الذي نادى به العلماء والعقلاء ويستجيب له الولاة النبلاء إلا استقرارا ونماءً ، ومن لم تعجبه هذه اللحمة المتماسكة على الكتاب والسنة في زمن الفتن فليبحث له عن أقرب جدار ثم ( ليصك برأسه فيه ) فالبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا . ومضة : يا سمو النائب الثاني أميرنا المحبوب نايف بن عبدالعزيز .. نعم .. هذا شعبنا الوفي بن الوفي بن الوفي حين ادلهمت الفتن وتلاطمت المحن رفع رؤوسكم بعلمائه وعامته ، كنتم له فكان لكم ، جئتموه تمشون فأتاكم هرولة ، فكيف لو أتيتموه هرولة !!! وما جزاء الإحسان إلا الإحسان .. أما الأعداء المتربصون بمقدراته الدينية والدنيوية : فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج . د . خليل بن عبدالله الحدري