لم يكد وكيل وزارة التربية والتعليم الأسبق، عضو مجلس الشورى السابق، الدكتور عبدالعزيز الثنيان، يكتب تغريدته «مصيبة الدحيم، هزة للمجتمع وصرخة نداء للدولة أن قووا رجال الهيئة واحثوا التراب في وجوه لائميهم، هم حراس الفضيلة، دافعهم دين وليس الراتب»، في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، حتى تعرَّض لهجوم حادٍٍ من عدد من الكُتَّاب. ,كان الكاتب والمحامي عبدالرحمن اللاحم، في مقدمة منتقديه على تلك التغريدة، التي ربط فيها أهمية عمل رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحادثة أودت بحياة خمسة أفراد من أسرة الدحيم في الرياض مؤخراً، تسبب فيها شخص متهم بأنه كان في حالة «غير طبيعية». وردّ اللاحم على الثنيان بتغريدة قال فيها: «يعني الذين استشهدوا في عمليات مكافحة المخدرات أو الإرهاب أو ذوداً عن حدود البلد، يبون الراتب بس والهيئة هي اللي تبي الدين»، وأضاف في تغريدة أخرى منتقداً أداء الثنيان في وزارة التربية والتعليم: «وطبعاً يوم كنت أنت في وزارة التربية وساهمت في أخونتها، كان دافعك الدين وليس الراتب؟ هكذا يعمل المؤدلجون في الأرض». وأظهرت الردود المتبادلة حالة من الحدة، أعطت مؤشرا جديدا على أن الاحتقان بات يطغى على حوارات النخب الثقافية السعودية. استغلال فاجعة وعن دوافع هذا الاحتقان، قال، الكاتب الدكتور أحمد الفراج، الذي رد بأكثر من تغريدة على تغريدة الثنيان: «كانت تغريدة الدكتور عبدالعزيز الثنيان مستفزة إلى أبعد حد، فهي استغلال لمأساة إنسانية عميقة، وتوظيف لها من رجل دولة سابق لا يليق به مثل ذلك، فكم هو مؤلم أن يستغل أحدهم مثل هذه الفاجعة، ليوظفها في صراع تيارات فكرية ابتلي بها مجتمعنا منذ عقود، أي منذ أن ابتلي مجتمعنا بأصحاب الدين المسيس، الذين يوظفون الدين لخدمة أجندات سياسية معينة، وقد كان التعليم هو أول الضحايا، فقد تمت أدلجته، وإحلال المنهج الخفي، محل المنهج العام». وتابع قائلا عن رده على التغريدة: «ردي على الدكتور الثنيان يرجع بالدرجة الأولى إلى استنكاري أن يكتب من هو مثله مثل هذه التغريدة، ضاربا عرض الحائط بمشاعر أهل المتوفين من أسرة الدحيم، ثم إنه عندما غازل المشاعر الدينية بالحديث عن رجال الهيئة، وأن دافعهم الدين، وليس الراتب، تجاهل التضحيات التي قام بها، وما زال يقوم بها رجال الأمن، ورجال مكافحة المخدرات، وحرس الحدود، وبقية القطاعات الحكومية التي يعمل أبناؤها ليل نهار على خدمة الوطن، والمواطن، فالثنيان يقول فيما معناه إن رجال الهيئة يعملون من أجل الدين، ومن سواهم يعمل من أجل الراتب، وهذا لعمري ظلم، وإهانة لكل دماء الشهداء التي سالت من أجل السهر على راحة المواطن، وتحقيق الأمن له، ولو كان من قال ذلك مغرداً جاهلاً لما التفت إليه أحد، ولكن أن يقول ذلك رجل دولة سابق كان مسؤولاً عن التعليم، فهذه لعمري مصيبة كبرى، ولا أريد أن أعلِّق هنا بإسهاب عن الخدمات التي قدمها الثنيان للتعليم، وربما أن تغريدتي أوجزت شيئاً من ذلك». وجود الإخوان وشهدت التغريدات نعت الثنيان ب»الإخواني»، وعن ذلك قال الفراج «يجب الاعتراف بأن لدينا تنظيما إخوانيا حركيا يعمل بدقة متناهية، ولا ينكر ذلك إلا من في أذنه صمم، وعلى عينيه غشاوة، ودونكم «تويتر»، وما يكتبه أعضاء تنظيم الإخوان، خصوصاً بعد إزاحة الإخوان عن حكم مصر بقرار شعبي، ثم من هو الذي يعمل ليل نهار على إثارة البلبلة، والاعتراض على كل قرار تنموي، ومن هو الذي يقف ضد عمل المرأة، وضد تطوير المناهج، وهل يحتاج النهار إلى دليل؟!». وأضاف: «ثمة نقطة أخرى، وهي تساؤل موجه للدكتور الثنيان، فقد عمل عضواً في مجلس الشورى، مشرعا برلمانيا، وهنا أسأله: لماذا لم تتقدم بمقترح للمجلس يتعلق بمعاقبة من يقود سيارته تحت تأثير المسكر؟، ولماذا لم تقترح مشروعاً يعامل من يتسبب بالقتل، وهو تحت تأثير المخدرات، أو المسكر معاملة من يقتل عمداً؟، وأسئلة أخرى أطرحها عليه، وعلى غيره، ممن يكتبون في الإعلام، مثل الدكتور (...)، الذين يكتبون بحدة نقدية تجذب الجمهور، وهذا ربما هدفهم، مع أنهم كانوا في مواقع تسمح لهم باقتراح تشريعات نحن بأمس الحاجة لها، عندما كانوا على رأس العمل، ومع ذلك فلم يفعلوا، فهل المسألة مزايدات، وحسب؟!». ملتزم بنهجه أما الكاتب مجاهد عبدالمتعالي، فرأى أن الثنيان «مخلص حقيقي» لمشترك الفهم الديني، الذي يحرك كثيرا من متحمسي هذا الجهاز للوقوع في الأخطاء، بل إن تغريدته صادقة جداً عندما يحكي عن أولئك الممانعين للإصلاح داخل الهيئة، ليطاردوا المواطنين إلى حد الوفاة، رغم تعميمات رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المشددة بمنع المطاردة. وقال: «في اعتقادي أنه لم يخالف مصداقيته مع نفسه، بل كان مثالا نموذجياً للملتزم بمنهجه الذي يمكن من خلاله فهم حساسية كثير من الناس تجاه نقد مؤسسة الهيئة، باعتبارها تمثل البعد الأخلاقي بشكله الأبوي التقليدي المتبقي للمحافظين القدامى في ضبط المعنى القيمي وفق معايير تجاوزها الزمن، وأظهر تناقضاتها التي لم تستطع تجاوزها، فمثلاً بالنسبة للخمور وعموم المخدرات، فالإدارة العامة لمكافحة المخدرات تقوم بجهود مشكورة تصل إلى تقديم شهداء من منسوبيها في سبيل محاربة المروجين لهذه السموم، بعكس غيرها من الأجهزة التي يكون بعض منسوبيها ممن (دافعهم الدين وليس الراتب) يقدمون مائدة دسمة للإعلام عبر ضحاياهم من المواطنين». أبوية تقليدية وتساءل عبدالمتعالي: هل أخطأ الثنيان في تغريدته؟. وأجاب فورا: لا لم يخطئ، ولن يشعر بذلك لأنه صادق مع نفسه عندما طرحها، فهو نموذج للفكر الأبوي التقليدي جداً الذي نحترمه ونقدره في خدمة المجتمع لزمن مضى، وما زال يبحث عن موقع مؤثر في زمن السايبر والفضاء الديموقراطي، الذي ساوى الأب بالابن، لدرجة تعرية الأب أحياناً أمام الابن، لتسقط أسطورة الأب النموذج، بينما لو تم التركيز على طرح منهجيات حقيقية على الأرض تجعل أجيالنا تصنع وازعها الداخلي الحقيقي بالتزام «الطهارة الأخلاقية» بدلاً من دفاع الأبوي المستميت عن «دعوى الطهارة» فقط، لنجد الشاب يلتزم بالآداب العامة في دبي مثلاً، فلا يتحرش بالنساء في الأسواق العامة، أكثر من التزامه بها في المملكة، وحادثة سوق الظهران ليست ببعيدة عنا. رذيلة وفضيلة وأضاف: «هل المطلوب هنا أن نترك سؤال الأخلاق في تربية أبنائنا ليبقوا بهذا الشكل كي تستطيع هيئة الأمر بالمعروف أن ترفع إحصائياتها (...) في القبض على شبابنا، كوحوش بشرية مسعورة تجاه الخمر والنساء؟! هل شرف هيئة الأمر بالمعروف يتكئ على إبقاء واقع شبابنا الأخلاقي كما هو كي يجد بعض منسوبيها أرقاماً على ظهور أبنائنا يضيفونها لإنجازاتهم في محاربة الرذيلة (أبناؤنا وبناتنا) وحراسة الفضيلة (هم)، هل الفضيلة هي الاستماتة في إبقاء (دعوى الطهارة) أهم من (الطهارة) نفسها، لنبقى أكثر بلد يعيش المواعظ، وأكثر بلد غير آمن ويضج بالشباب (الوحوش البشرية) باعتراف أصحاب الفكر التقليدي المحافظ نفسه، ورغم أنهم رجال تربية ورواد تعليم إلا أنهم انشغلوا بالدفاع عن رمزية السلوك الأبوي الذي يشعرون أنه يمثلهم حفاظا على طفولة المجتمع، رغبة في أبوة لا تنتهي، لأنها تمثلهم بشكل شخصي ضيق، بدلاً من التوجه لهذا المجتمع والسير به نحو الرشد، وصولاً لتقاعد الأب الذي يأبى أن يخرج من دائرته الضيقة كأب يصر على بقاء أبنائه أطفالا أبد الدهر في عينه!». واستطرد عبدالمتعالي في قوله: «مشكلتنا أنّ ما يحرص عليه بعض المخلصين هو طابعهم الأبوي ورمزيته التي يمثلها من (دافعهم دين وليس الراتب) أكثر من حرصهم على رشد أبنائهم، يريدون بهذا أن يبقى المجتمع مشدوداً لهم كأب مخلص وحامٍ وحافظ، رغم أن المجرم سيبقى مجرماً في نظر المجتمع الراشد دون حاجة (للتحسس والتجسس) على أخلاق الناس وفق معايير أبوية تستبيح لنفسها كل شيئ بحق (أبنائها الصغار)، وليتم تقييم المجتمع وفق معطيات عاطفية تعتبر خليطاً من العادات والتقاليد والفهم الديني الخاص، وعندها يظهر أولئك المتكئون على المعطى العاطفي إلى فهم ديني يترافع عن نفسه (دون الحاجة إلى راتب) ويأتي من يغرد سيراً في ركاب هؤلاء». وأوضح الكاتب والروائي عادل حوشان، أن هذا الاحتقان في الشارع الافتراضي بين تيارين أو طرفين هو انعكاس لاحتقان الواقع، احتقان تاريخي تم تغذيته «بأبشع طريقة ممكنة»، «وبغياب قيم ومبادئ مهمة ومشتركة (الإنسان والحرية والكرامة والفضيلة ...إلخ)، هو وجه الصراع بين فريقين مختلفين، ولن يصل أي منهما إلى تحويل هذا الخلاف إلى اختلاف بشري وإنساني وطبيعي، هذه التغذية السمّية من كل طرف ضد الآخر، ولصالح مواقفه وشعاراته وفهمه الخاص، وجد ضالته في المكان الأكثر حرية للتعبير عن هذا الاختلاف، وتحولت حتى القضايا الوطنية إلى معركة كبيرة لخيول بلا قوائم». وقال إن مواقع التواصل الاجتماعي سهّلت كثيرا لهذا الصراع، وتحديدا «تويتر»، المكتنز بالدم حتى أصبح مثل حشرة ال»قراد» التي تعتاش على امتصاص الدم، ووجدت ضالتها في شكل القطيع وكسله عن الفهم وتبني لغة التسامح والسلام. وعن النهاية أشار الحوشان إلى أنها «ستكون أبشع مما نتخيّل بسبب الهشيم الذي أوقدت كل الأطراف فيه النار»، مشددا على أنه لا يريد تحديد أي الطرفين يتحمل هذه المسؤولية التاريخية التي نشبت في ظهر ثقافتنا منذ عقود. من جانبه، عزا الدكتور عبدالعزيز الثنيان أسباب هذا الاحتقان في ردود فعل مهاجميه على تغريدته، إلى أن «ساحات عرض الرأي كانت مملوكة لفئة نخبوية تسمح بعرض ما يتفق وهواها وتحجب ما يخالفها، ولم تتعود تلك النخب وتتربى على سماع واحترام الرأي الآخر، والآن انتهى ذاك القيد، فصارت الآراء تعرض والمجتمع يقرأ كل الآراء، فنشأ الاحتقان عند فئات لا ترى أن يعرض إلا رأيها». وأوضح الثنيان أنه يحترم آراء الآخرين، ويستمع إليها، بل ويأخذ ببعضها، وقال: «أهم ما تعلمته في مجلس الشورى الإنصات وسماع الرأي الآخر واحترامه، بل كثيراً ما عُدت مؤيداً لرأي الآخر. لأنّ الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث»، غير أنه وجه انتقادا لمهاجميه في نهاية حديثه، ملمحا إلى أنهم على خطأ: «وأولئك المحتقنون المصنفون سيكتشفون فيما بعد خطأهم»..بحسب الشرق