حذر خبير اقتصادي سعودي من تداعيات سقوط الاقتصاد الأمريكي في فخ "الهاوية المالية" على الاقتصاد السعودي واقتصادات منطقة الخليج العربي مؤكداً أنها ستكون أكثر دول العالم تضرراً من أي كساد أو تخلف عن السداد قد تنتهي إليه الأزمة الدائرة رحاها الآن بين قطبي السياسة في واشنطن. ونقلت صحيفة "الاقتصادية" السعودية عن "مطشر المرشد" عضو جمعية الاقتصاد السعودي تأكيده أن دول الخليج هي أكثر دول العالم "انكشافاً" على السندات الأمريكية والأخطر، حيث تتركز معظم فوائضها واستثماراتها الدولية في السوق الأمريكية، ليس فقط لامتلاكها حصة ضخمة من سندات الخزانة الأمريكية، بل لأن صادراتها وعملاتها مقومة بالدولار، مشيراً إلى أن ذهاب الأمريكيين إلى تلك "الهاوية" يعني ذهاب الاستثمارات السعودية والخليجية معها إلى "الهاوية". وتعبير "الهاوية المالية" يشير إلى برنامج زيادات ضريبية واقتطاعات في النفقات العامة سيدخل حيز التنفيذ تلقائياً اعتباراً من مطلع يناير/كانون الثاني ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الرئيس باراك أوباما وأعضاء الكونجرس الجمهوريين والديمقراطيين من أجل تخفيض العجز في الميزانية. ويوضح "المرشد" إنه في "أقل من شهر ويصبح الاقتصاد الأمريكي أمام أخطر أزمة في تاريخه.. ونحن لا نسمع عن أي توجهات سعودية نحو خيار بات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، تنويع الاستثمارات بعيداً عن الدولار، بل سوق العملات والسندات الحكومية عموماً، الذي لم يعد هناك شك أن "مستقبلها بات مظلماً". ويشدد على أن مسألة معالجة العجز الأمريكي ستحدث عاجلاً أم أجلاً، وكل المستثمرين الدوليين شرعوا في التحوط من هذا "المخاض الصعب"، حيث عملت الصين أخيراً على خفض محفظتها من السندات الأمريكية بواقع 29 بالمئة، وطرحت اليوان كعملة تداول في مناطق خارج الصين. ويقول إن "السعودية في حاجة إلى البدء فوراً في توظيف جزء كبير من فوائضها المالية، في استثمارات خارج نطاق الدولار، في مجال الطاقة البديلة والمتجددة، والأمن الغذائي، والطب والتكنولوجيا إذ رغبت في التخفيف من ضربة موجعة لاستثماراتها في الخارج قد تحدث في أي وقت.. هناك فرص كبرى في العالم إذا استطعنا فقط إزالة المفهوم الخاطئ بمحدودية الفرص بعيداً عن الدولار". ويشرح ماهية الهاوية المالية قائلاَ إنها في حال لم تطبق الآن فسيصار إليها لاحقاً، أنها خفض تلقائي لنفقات الدولة للسنة المالية 2013 التي بدأت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول بمقدار 109 مليارات دولار. وفي المقابل، زيادة تلقائية في الضرائب على جميع شرائح المواطنين بواقع 20 بالمئة على الجميع، ما سيتسبب في نفقات إضافية بقيمة ألفي دولار في السنة لعائلات الطبقات الوسطى. وبحسب الصحيفة، يعتقد خبراء الاقتصاد أن هذه الزيادة الحادة في الضرائب ستنعكس على استهلاك الأمريكيين، وأن تؤدي بالتزامن مع التخفيضات الكبرى في النفقات العامة إلى انهيار الطلب الداخلي أي "الكساد".. وهنا يرى "المرشد" أن الحكومة الأمريكية في مأزق كبير، إذ إنها لا تريد الوقوع في الكساد عبر تنشيط الاقتصاد بمزيد من الإنفاق والوقت ذاته مطالبة بخفض العجز والتعامل مع هذا "المارد الوحش". وهنا يعود المرشد ليبين أن السعودية وكمستثمر ضخم في سوق السندات الأمريكية، بل إن نحو 90 من استثماراتها واحتياطياتها في الخارج هي "أمريكية"، فإنها أمام خطر أن تقوم واشنطن بإعادة هيكلة ديونها الخارجية، أو أن تصبح أكثر تعقيداً في إصدار وتسييل السندات الحكومية. يذكر أن وكالة "ستاندرد آند بورز" إحدى أكبر شركات التصنيف الائتماني في العالم خفضت في أغسطس/آب 2011علامة التصنيف الائتماني للولايات المتحدة في سلم تقييمها من درجة تصنيف (AAA) إلى (AA+). ويعد إعلان "ستاندرد اند بورز" تخفيضها لتصنيف الدين السيادي الأميركي درجة واحدة أول إجراء من نوعه في تاريخ هذا الولاياتالمتحدة. وقالت الصحيفة إنه وفقاً لتقديرات شبه رسمية فإن حجم الاستثمارات السعودية بما في ذلك استثمارات الحكومة والمؤسسات شبه الحكومية والقطاع المصرفي في السندات والأصول الدولارية الأمريكية- تقدر بنحو تريليوني دولار، وهو رقم هائل يفوق حجم الاقتصاد السعودي بمراحل، فيما يبلغ حجم خسائر الاستثمارات السعودية في السندات الأمريكية المبنية على الدين العام الأمريكي نحو 45 مليار دولار سنوياً، أي ما نسبته 20 بالمئة من الاستثمارات التي تقدر بنحو 229 مليار دولار تقريباً. ويقول "المرشد" إن "الخبراء والكتاب الاقتصاديون في الصحافة الغربية، بدأوا بالفعل في الحديث عن إمكانية أن تتخلف أمريكا عن التزاماتها المالية، وهذا مؤشر خطير لم يكن أحد يتحدث عنه، والأخطر أن نصل إلى مرحلة يطالب فيها الأمريكيون الدائنون بالمشاركة في سد العجز الأمريكي الهائل". وأوضح إن محدودية الفرص الاستثمارية للسيولة السعودية لا تنحصر في الأموال الحكومية، بل حتى أموال القطاع الخاص التي هي الأخرى تتركز وإن بصورة أقل في السوق الأمريكية، داعياً في هذا الإطار إلى تحريك السوق الثانوية للصكوك والسندات في الداخل، عبر وضع جدول زمني لتنشيط هذه السوق، والإبقاء على أموال المستثمرين المحليين في الداخل حماية لها من التقلبات الحادة في الاقتصادات الدولية في الوقت الراهن. وأضاف إن "هناك سيولة كبيرة تخرج إلى خارج البلاد، ومن هنا فإني أوصي أيضاً وبصورة عاجلة، أن تبدأ الوزارات الخدمية في البلاد باعتماد أسلوب إصدار السندات والصكوك للمشاريع الضخمة كالمستشفيات والجامعات، والمطارات، والملاعب، والسماح لسيولة القطاع الخاص بإيجاد متنفس آخر غير سوق الأسهم والعقارا". إلى ذلك، حذر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منذ أشهر من أنه لن يكون لديه في مثل هذه الحالة أي وسائل لمنع الاقتصاد من العودة إلى الانكماش، في حين أن البلاد لم تتعاف بعد كلياً من الانكماش السابق الذي استمر من ديسمبر/كانون الأول 2007 إلى يونيو/حزيران 2009. وبحسب آخر إحصاءات مكتب الميزانية في الكونجرس الصادرة في مطلع الشهر، فإن الهاوية المالية ستؤدي إلى تراجع إجمالي الناتج الداخلي الأمريكي في 2013 بنسبة 0.5 بالمئة وارتفاع البطالة مجدداً في السنة ذاتها إلى 9.1 في المائة بالمقارنة ب 7.9 في المائة في نوفمبر/تشرين الثاني.