أكد إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة، الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب، في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، أنه "لموقف مخجل أن يباد شعب ويمتنع العالم عن القيام بواجبه الدولي والأخلاقي لأنهم مسلمون أو سنة" فيما يُتهم الإسلام بعد ذلك بالتمييز العنصري. معتبراً ذلك أنه يهز ثقة العالم. مشدداً على أن العلاقات الدولية المعاصرة قائمة على المصالح القومية، لا على الأخلاق والمبادئ والقانون. وشدد الشيخ آل طالب على أن لصيحات التخويف من الإسلام آثاراً سلبية على المسلمين وعلى غيرهم. مبيناً أنها تهدم جسور الثقة والتعاون، وتحطم العلاقات الدولية وقيام المصالح بين بني البشر، وتغذي جذور العداء والإرهاب، وتمثل تهديداً وإنكاراً للحقوق المتساوية والتفرقة على أسس دينية وعنصرية، إضافة إلى المضايقات والعنف والقيود على الحرية الشخصية، كما أنه تشويه للحق الذي جاء من عند الله. وأوضح أنه وصل الأمر بسبب فرية التخويف من الإسلام إلى التحريض وإثارة الأحقاد الدينية، وتعدي البعض إلى إهانة وتدنيس المقدسات الإسلامية، وانتهاك الحرمات الدينية بتطاول على حرمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو امتهان للقرآن الكريم، وسن القوانين ضد مظاهر حجاب المرأة ونقابها، ونشر رسومات ساخرة بالصحف ووسائل الإعلام تسيء إلى المسلمين، وربط صور المسلمين ومظاهرهم بموضوعات تتحدث عن الإرهاب. وقال: "لا يزال انتماء فرد أو شعب إلى الإسلام سبباً في فشل قضاياه وضياع حقوقه، ورد مطالبه، فالخوف من الإسلام وراء مظلمة فلسطين ودفاع القوي عن الغاصب ستين عاماً، وتبرير الظلم المستمر واسترخاص دماء الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، والخوف من الإسلام وراء مواقف الريبة والعداء لكل محاولات الشعوب لاختيار قرارها الذي تعيش به". وأكد فضيلته أن للموروثات الثقافية أثر في تكوين هذا الاتجاه لدى الآخرين ضد الإسلام، يغذيه الإعلام المغرض والسياسات الجائرة، حتى حذر الأمين الحالي للأمم المتحدة منصفاً بقوله: "إن موجة التخويف من الإسلام ترقى إلى مرتبة المناهضة العنصرية لهذا الدين". مشيراً إلى أن سلفه على منبر الأممالمتحدة قال مثلها حين قال: "إن على عقلاء العالم أن يقفوا بإنصاف وعدل أمام هذه القضية الخطيرة التي لا تجدي سوى مزيد من الصراعات والخلاف، وإن الجهل بالإسلام وتعاليمه وأخلاقياته سبب رئيس للخوف منه، والإنسان يخاف ما يجهله". وتساءل إمام وخطيب المسجد الحرام: "لماذا الخوف من الإسلام؟! فلم يكن المسلمون مسؤولين أبداً عن اشتعال حربين عالميتين قتل في الأولى 17 مليوناً من البشر، وفي الثانية 50 مليوناً عدا المصابين والدمار الهائل في البيئة والمقدرات البشرية، ولم يستعمر المسلمون العالم، ولم يسخروا شعوبه لاستنزاف خيرات تلك الشعوب ليستمتع بها المستعمر، ولم يقم الإسلام في تاريخه الطويل محاكم تفتيش لإجبار الناس على تغيير دينهم، بل إنه على امتداد 15 قرناً من بسط الإسلام سلطانه لم يزل في بلاده أصحاب ملل لهم فيها معابد وكنائس لم يتعرض لها أحد، ولا زالت تلك الأقليات متعايشة مع المسلمين على أرض الإسلام حتى اليوم". وأوضح فضيلته: "إنه لموقف مخجل أن يباد شعب ويمتنع العالم عن القيام بواجبه الدولي والأخلاقي لأنهم مسلمون أو سنة، هل هذه قيم؟! هل هذه مبادئ؟! ثم يُتهم الإسلام بعد ذلك بالتمييز العنصري، وهذا يهز ثقة العالم بأن العلاقات الدولية المعاصرة قائمة على المصالح القومية، لا على الأخلاق والمبادئ والقانون، إذا لم يتفق مع المصالح. وفي المائة عام السالفة والتي نشأت بها منظمات تعنى بالإنسان وحقوقه وتحترم ثرواته وأراضيه لم يسجل التاريخ أن بلداً مسلماً غزا بلداً غير مسلم، في حين أن العكس حاضر بكل ألم في مشهد العالمين، حتى أن الشبهة أو مجرد التهمة كافية لغزو بلد مسلم، وقتل مليون من أبنائه ونهب ثرواته وتدمير مقدراته والاعتداء على تاريخه وحضارته، ثم يتبين أن الشبهة غير صحيحة، ويمر الحال بغير اعتذار ولا تعويض". وتابع: "لقد نجح الإعلام العالمي في تصوير انتفاضة الذبيح بأنها همجية، فانشغل الناس بلوم الذبيح ونسوا الذابح، فلماذا الخوف من الإسلام وهو يدعو البشر أن يتراحموا فيما بينهم؟ فالإسلام هو منهج الحق قد كفل لكل إنسان حقه وكرامته وعدم الاعتداء عليه، كما دعا إلى الرفق بالحيوان وعدم تكليفه فوق طاقته، فالإسلام دين الرحمة والتعاطف واليسر والحضارة والتسامح الذي ليس فيه ذل ولا هوان ولا استجابة للظالمين". وبين فضيلته أن "قنوات الفضاء تمطرنا بمشاهد القتل والترويع، والتي تجري في سوريا وقد أمن سفاحها من انتهاض الأمم، وخصوصاً الغربي والشرقي منها، ولم تعد تلك المشاهد تزعجه، بل ربما احتسبها دعاية لإرهاب شعبه! لم يعد كل ذلك يزعجه ما دام أن طاغية الشام حذر أن يخلفه المسلمون في الحكم، واقتنعت أمم بذلك التحليل، ولم يدر المغرر بهم من أمم العارض أن المسلمين، والسنة منهم خصوصاً، لم يكونوا خلفه فحسب، بل كانوا هم سلفه وسلف حزبه بقرون". وقال: "إن بلاد الحرمين الشريفين ارتفع صوتها في كل محفل يعقد للنظر في قضية المظاليم من الشعوب، والدول تنادي بالجدية في رفع الظلم والحزم في الأخذ على يد الظالم، والنظر في العواقب، والطمأنة من الخوف، عسى الله أن ينجح المساعي الصادقة، ويوفق الجهود المخلصة، ويجلو غشاوة الأبصار، ويدين الأيام على كل متكبر جبار".