فقد الأدب السعودي واحداً من أبرز رموزه في مجال الكتابة في الموروث والأساطير الشعبية وذلك بوفاة الأديب عبد الكريم الجهيمان عن عمر يناهز 100 عام. الجهيمان الذي يعد صحفيا وأديبا وباحثا وشاعرا وناقدا ومثقفا ولد عام 1912م في بلدة غسلة بالقرائن، و تلقى تعليمه الأول لدى الكتاتيب في بلدته غسله، ثم انتقل عام 1925م إلى الرياض ودرس لدى مشايخ المساجد لعام واحد، ثم غادر في 1926م إلى الحجاز وتحديدا إلى مكة حيث التحق بسلاح الهجانة في العام ذاته، ومكث فيه مدة عام ثم انتقل للدراسة في المعهد العلمي السعودي وبعد ثلاث سنوات تخرج من المعهد وانتدب لإنشاء المدرسة النموذجية الأولى في مدينة السيح بمنطقة الخرج وذلك عام 1930. وانتقل الجهيمان إلى الظهران وأنشأ جريدة (أخبار الظهران)وهي أول صحيفة تصدر من المنطقة الشرقية. اشتهر الجهيمان بموسوعته عن الأساطير الشعبية كما ألف كتبا عديدة منها (رحلة مع الشمس) يحكي فيه فصول رحلته العالمية حيث غادر من الشرق وعاد من الغرب، كما ألف كتابا بعنوان (ذكريات باريس) يتحدث فيه عن مدينة باريس التي أمضى فيها قرابة الستة أشهر مطلع الستينيات الميلادية. كما له موسوعة الأمثال الشعبية: عشرة أجزاء. وله دواوين مثل (أين الطريق) و(خفقات قلب). وله (رسائل لها تاريخ)، وكتاب دخان ولهب وهو عباره عن مجموعة مقالات أصدرها في عدة صحف سعودية منها جريدة الظهران. كما يعد الجهيمان من المخضرمين الذين عايشوا فترات كبيرة من الحقب والأجيال. يقول عن نفسه "عندما فتحت عيني على هذا الكون وجدت نفسي كما أريد لي لا كما أردت فلم أحظ بعطف الأمومة كاملاً ولم أحظ بعطف الأبوة كاملاً فقد افترق والداي بالطلاق وبعد هذا الطلاق كنت أعيش تارة عند أمي وأخوالي وتارة أخرى عند أبي، وكانت والدتي رحمها الله عندما تزور أهلها في الأسبوع مرة أو مرتين وتهتم بي وبدأت أكبر وبدأ من حولي من أخوالي يفهموني بأن ذهاب والدتي إلى زوجها شيء طبيعي وأنها تحبني وعشت فترة تحت كفالة أمي وأخوالي وبعض الفترات كنت أعيش في كفالة والدي وانني والحمد لله تعالى عشت طفولتي طولاً وعرضاً وتمتعت بأنواع الحرية والانطلاق". وعن مرحلة الكتاب يضيف "الجهيمان" : "دخلت الكتاب وعمري ست سنوات واستمررت أدرس قرابة سنة بفضل الله ثم جهود أمي و عندما بلغت الثالثة عشرة من العمر طلبت من والدي أن أذهب إلى الرياض وألتحق بطلاب العلم"، وعندما رحلت للحجاز ذهبت إلى قيادة الهجانة فقبلوني وسجلو اسمي وأرسلوني إلى قلعة أجياد لأنضم فيها القوة التي فيها وواصلت القراءة وطلب العلم على بعض المشايخ في الحرم المكي ثم التحقت بعد ذلك بالمعهد العلمي السعودي في مكة فمكثت فيه ثلاث سنوات ثم تخرجت. وفي 1362ه انتقل إلى محافظة الخرج وتولى إدارة المدرسة وفي عام 1363 توجه إلى الرياض ليقوم بالتدريس في مدرسة أنجال ولي العهد وبقي فيها فترة قصيرة. وعن جريدته الأولى التي أنشاها تحت اسم "جريدة أخبار الظهران" يقول: "أنشئت من ضعف فلم تكن ذات موارد مالية مغرية ولم يكن لها قراء كثر. فهي جريدة على المنطقة. وقد استمرت بالصدور في المنطقة الشرقية إلى أن صدر نظام المؤسسات الصحفية فتوقفت وصدرت بدلاً منها صحيفة اليوم ولازالت سائرة في طريقها المرسوم إلى وقتنا الحاضر. ويحفظ التاريخ للجهيمان أنه من خلال تلك الجريدة كان من أوائل من دعا إلى تعليم المرأة من خلال نشر بعض المقالات فيها في وقت لم تكن فيه أي مدارس لتعليم البنات. وقم تم تكريم الأديب الراحل في مهرجان الجنادرية 1421ه تقديراً لمساهماته وعطاءاته خلال مسيرة تسعين عاماً قضاها مجاهداً في ساحة الكلمة والحرف. واستحق الجهيمان ذلك لكونه كان الناقد الأول لكثير من الظواهر السلبية في مجتمعه ، لاسيما ما يمس ويتناول أداء القطاعات الحكومية، كان هذا النقد منذُ زمنٍ مبكر من نهضة هذه البلاد، إذ نشر نقده تحت عنوان "المعتدل والمايل" في صحيفة أخبار القصيم، قبل عقودٍ أربعة، وتُعد الإضافة العلمية التي قدمها الرائد الجهيمان هي مؤلفاته في حقل الدراسات الشعبية، فقد ألف أسفاراً رائدة في الأمثال والأساطير الشعبية حتى لقب بالوسط الثقافي السعودي ب"سادن الأساطير والأمثال" إذ تُعدُّ مساهمته هذه عملاً توثيقياً رائداً وحفراً أركيولوجياً في دواليب الثقافة الشعبية السعودية. بقي الجهيمان رائدا فريدا في مجاله في حفظ الموروث الشعبي والأساطير، وفي نهاية حياته عانى كثيرا من المرض حتى توفي إلى رحمة الله.