"القذافى ليس ديكتاتورا كما يصفه معارضوه بل إنسان بدوى بسيط طيب القلب، وليس دمويا، كان شاعرًا رقيقًا يحترم النساء، لديه قصة حب لم تكتمل مع ابنة أحد أبطال حرب أكتوبر، والرجل- الذى حكم ليبيا لأكثر من 4 عقود- لم يكن معاديًا للسنة النبوية كما أشاع خصومه". هكذا ترسم جميلة المحمودى - حارسة الراحل العقيد معمر القذافى - صورة مختلفة للرجل الذى تم قتله فى صحراء ليبيا، وهى تواصل الكشف عن الوجه الآخر لحاكم لم يكن عاديا بل كانت طباعه التى يراها البعض غريبة، مثيرة للجدل والتندر فى حياته وبعد مماته. تبدأ الحارسة الخاصة للقذافي فى حوارها مع "بوابة الأهرام"، بنفى صورة الحاكم الثرى الذى ينفق ببذخ عن القذافي: لم يكن يأكل إلا القليل جدا من الطعام، وكان شخصا بسيطا للغاية، لم يكن لديه طقوس الولائم الكبيرة المعروفة لدى زعماء الدول العربية، كان يحب اصطياد الحيوانات البرية من دروب الصحراء، ولا يأكل النشويات أو الدهون وهذا أحد أسرار بقاء جسمه قويا حتى بلغ 69 عاما". بالرغم من أن القذافى قام بتدخين السيجار فى أحد اجتماعات القمة العربية أمام الشاشات، إلا أن جميلة ترى أنه كان يمتلك قدرة غريبة على ترويض نفسه. وتؤكد أنه لم يكن يدخن السجائر ولم يتناول الكحوليات". لم يهتم معمر بلياقته فقط بل بمظهره أيضا فأسلوب القذافى الملفت والغريب فى ملابسه التى يرتديها، كان دائما محط سخرية وانتقاد من البعض، وعلى الرغم من مظاهر الحداثة الموجودة فى بريطانيا". وفقا لما تقوله حارسته الخاصة. إلا أن القذافى لم يفقد هويته العربية والبدوية خلال بعثته هناك عام 1966 لتعلم اللغة الإنجليزية والحصول على دورة اتصالات فى سلاح الجو الملكى فقد كان حريصا على ارتداء الجلباب الليبى التقليدى فى أثناء تنقله فى شوارع بيكاديللى بلندن. يعبر أسلوب القذافى- كما تقول جميلة - عن ثقافته البدوية، فهو من أسرة محافظة من قبيلة "القذاذفة" بقرية "جهنم" فى منطقة سرت، "نشأ فى الصحراء وكان عاشقا لها وكنت أشعر أنه يستمد قوته منها". كان للصحراء دور فى تكوين الجانب الأدبى فى حياة الرجل الذى حكم ليبيا منذ 1969 وحتى 2011، وفى تسعينات القرن الماضى، أصدر القذافى مجموعة قصصية وأقام ندوة عبر دائرة تليفزيونية فى معرض القاهرة الدولى للكتاب وطبع مجموعته وسط تظاهرة إعلامية صاخبة. كانت الحياة الاجتماعية للقذافى مستقرة فقد تزوج امرأتين ظلتا معه حتى وفاته، هما السيدة فتحية والسيدة صفية والدة عائشة وهانيبال القذافي، وكانت علاقته جيدة بهما، لكن حارسته الخاصة تكشف أن مصر لها خصوصية فى قلب العقيد الليبى ليس لأسباب سياسية معروفة، ولكن لأسباب عاطفية غير معروفة على الأقل بالنسبة لنا، فطيلة السنوات الماضية - وفقا لجميلة - لم ينس القذافى رغبته فى الزواج من مصرية كان يحبها، وهى ابنة رجل من أبطال حرب أكتوبر ينتمى لأحد العائلات المعروفة فى مصر. وقع القذافى فى حب مصرية، ولسبب ما لا نعرفه أو لم ترد جميلة المحمودى الإفصاح عنه، لم تكتمل قصة الزعيم الليبى مع ابنة أحد أبطال حرب أكتوبر، وهى ذاتها الحرب التى كانت من أسباب توتر العلاقة بين معمر القذافي، والرئيس الراحل أنور السادات حيث توقفت المساعدات التى كان يرسلها القذافى لمصر قبيل حرب أكتوبر، بسبب غضبه من السادات الذى كان تربطه علاقة قوية بالملك فيصل بن عبدالعزيز، ملك السعودية وقتها الذى كان يحذر السادات دائما من معمر وكانت علاقتهما متوترة. وعلى عكس ما كان يشاع عن موقف القذافى من السنة النبوية، ومن تيارات الإسلام السياسى فإن حارسته الخاصة، تؤكد أنه كان متعمقًا فى الدين، وكان متدينا يصوم يومى الخميس والاثنين ويكثر من الصيام فى الأشهر الحرم، وكان يحب صيام الصيف ويقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب الصيام فى الصيف. فى الفصل الأول من الكتاب الأخضر أظهر القذافى نظرة محافظة وتقليدية للمرأة فى المجتمعات الإسلامية حيث أكد أن دفع المرأة لعمل الرجل هو اعتداء صارخ على أنوثتها، وأن تجاهل الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة والخلط بين أدوارهما اتجاه غير حضارى على الإطلاق. وأن تجد المرأة نفسها فى ظرف عمل الرجال فذلك، جور وديكتاتورية. ما جاء بالكتاب الأخضر يتناقض مع سلوك القذافى تجاه تشكيل فرق حراسة نسائية خاصة به، وبرغم رأى القذافى المثبت فى كتابه الأشهر إلا أنه كان يطمئن لجميلة وينام فى حراستها، وبدورها تفخر جميلة المحمودى بالفترة التى عملت فيها مع القذافى كحارسة خاصة له وتعتبر أن الأعوام ال17 التى قضتها معه وسام على صدرها. كانت الحارسات الشخصيات للقذافى بمثابة ظاهرة غير مألوفة ارتبطت به ولفتت الأنظار إليه فى زياراته لدول العالم المختلفة، حيث تقول جميلة: "القذافى كان يعتز بالمرأة ويقدر أنها جزء من المجتمع وهذه نقطة تحسب له وليس مجالا لانتقاده، فأنا واحدة من الأشخاص الذين استفدن من التدريب العسكرى، فالمرأة لا يقتصر دورها على الزواج والإنجاب". بنبرة أسى يعتريها الحزن تقول: "هذا الرجل كان إضافة لحياتى واليوم أشعر أننى يتيمة وأرملة وأشعر أننى أعيش بلا كرامة وأن الهيبة سقطت وأن زوجي، والدي، أخي، حبيبى ورمز بلدى مات". لا تحصل السيدة التى عملت فى الحرس النسائى للقذافى على راتب، فهو عمل تطوعى كما تؤكد جميلة المحمودى التى تبدو عليها مظاهر الثراء، فعندما فتح القذافى الباب أمام الحرس الثورى للبنات انضم إليه كثير من الليبيات، بدليل أن معظم المتطوعات هن من عائلات بسيطة للغاية، ولم يسعين وراء المال وكن مؤمنات بفكر القذافى الذى كان يؤمن بالمرأة ومستعد أن ينام فى حراسة سيدة". تقدم الحارسة الخاصة للقذافى فى حديثها، وجه إنسانى غير معروف للرجل، فتقول إنه كان أبا لكل الليبيين، "لم يتعامل معهم بصيغة الرئيس والمرؤوس، وهذا هو سر بقائه 42 سنة بالحكم". وتروى أحد مواقف القذافى: "استوقفت سيدة عجوز موكب الزعيم خلال مروره أمام معسكر كتيبة الفضيل فى بنى غازى ونادت يا معمر يا ولدى أنا طالبة خدمة، وأخبرته أن ابنها مسجون وطلبت من الزعيم أن يرجعه لحضنها". وكان رد القذافى وقتها: "لأنك جيتينى إذا كان ظالما أو مظلوم هنطلعهولك". القذافى الذى عُرف بتصفيته للمعارضين فى ليبيا وخارجها، رق قلبه للسيدة العجوز وأفرج عن ابنها، الذى كان ملتحيا متورطا فى أحداث عنف ببنى غازى. ووعد بأن يوفر له فرصة عمل شريطة أن يبتعد عن الطريق الذى يمشى به. وقد عرف القذافى بمعاداته للتيارات التى تخلط الدين بالسياسة، كما أشيع الكثير عن ثروته لكن حارسته الخاصة، تنفى صحة تقارير صحفية تؤكد أن معمر القذافى يتصدر قائمة أثرياء الزعماء العرب فى عام 2011 بثروة تقدر بحوالى 131 مليار دولار أى 6 أضعاف ميزانية ليبيا فى العام نفسه. وتواصل جميلة:"القذافى كان زاهدا فى الدنيا ولم يكن لديه أى اهتمام بأى شئ سوى ليبيا ولم يكن لديه دينار واحد فى البنوك وأتحدى أن يكشفوا عن بيان بنكى واحدا باسم القذافي، فالمال لم يكن من اهتماماته يوما ما، ولو كان لديه مال لهرب من المعركة"، وتتساءل جميلة: "ما الذى جعله يختار الشهادة، بدلا من العيش فى أى بلد بملياراته؟". كل الانتقادات التى يمكن أن توجه للزعيم الليبى المثير للجدل يمكنك بسهولة أن تجد عليها ردا تخرجه جميلة المحمودى من خزانة عشقها وإيمانها بالقذافى وهى تختم حديثها عن "الزعيم" بلهجة انبهار واضحة: "القذافى كان ظاهرة كونية لن تتكرر". واضافت : لم يكن الزعيم الليبى الراحل معمر القذافى يدرك أنه "أول من يصبه الدور" فى مسلسل النهايات المأساوية لحياة بعض الحكام العرب، فعندما تم إعدام الرئيس العراقى صدام حسين صبيحة أول أيام عيد الأضحى سنة 2008، علق القذافى: "الدور سيأتى على الجميع".. قالها ليخيف الحكام العرب الذين كانوا مختلفين معه من مصير مشابه، لكن الدور لم يأت سوى على الرجل الذى تميز بأطقم حراسة نسائية تثير الجدل والسخرية من منتقديه والتعاطف من محبيه. تحتفظ حارسات القذافى بجعبة أسراره فنهايته المأساوية لم يكشف عن تفاصيلها حتى الآن، إلا الدكتورة جميلة المحمودى، حارسته الخاصة، لم تكن حارسة عادية فقد كان لا يأمن للنوم إلا فى حراستها فقط، حتى فى أكثر أيام ليبيا توترًا. و تصف جميلة المحمودى، الحارسة الخاصة لمعمر القذافى، الحالة التى كان عليها العقيد الليبى فى أيامه الأخيرة قائلة: "كنت أخجل أن أحكى أمامه عن شيء له علاقة بالمعركة، وكان لديه إيمان غير عادى بالنصر.. واختار أن يكون شهيدا منذ خطابه فى 22 فبراير 2011، وقال: "أنا مشروع شهيد"، وتستطرد: "لم أشعر يوما أنه حزين أو منكسر، كان قويا وصبورا، ومؤمنا بالقضاء والقدر". الله يرحمك..أنت موجود وروحك انتصرت وأعداءك انهزموا.. أنت الخالد وأعداءك فى مزبلة التاريخ". هكذا تؤبن جميلة المحمودى بدموعها الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى فى ذكرى رحيله الثانية. تؤكد جميلة أن هناك شخصان نجيا من موكب القذافى الذى استهدفته طائرات حلف الناتو أحداهما متواجد فى مصر حاليا، والآخر فى أحد سجون ليبيا، وقد روى لها الشاب المتواجد فى مصر ما حدث للموكب عندما قصفه الناتو، وقد رفضت جميلة ذكر اسمه وأكدت أنه لا يستطيع الظهور إعلاميا لأسباب أمنية. تنقل جميلة عن الشاب قوله إن موكب القذافى عندما تحرك قصفه الناتو، فانقسم الموكب إلى نصفين كان معتصم نجل القذافى فى الأول، ووالده فى الثاني.. ثم انفجرت السيارة الموجودة خلف سيارة القذافى من جراء القصف وتناثرت شظاياها على سيارة القذافى، فنزل معمر وركض على قدميه وركب السيارة التى كان يقودها الشاب فقصف الناتو نصف الموكب مرة أخرى. يحكى الشاب الذى أصيب بإحدى الشظايا فى قدمه، لحارسة القذافى، أنهم بدأوا يشعرون بالانهيار العصبى، لأنهم تعرضوا للضرب بالقنابل المثيرة للأعصاب لمدة أسبوع، وهو ما أفقدهم القدرة على التحمل. تؤكد جميلة -التى كانت قريبة من القذافى حتى بعد أن تركت العمل معه- ما قاله الشاب عن القنابل المثيرة للأعصاب، معلقة: "مافيش إمكانية انك تقبض على أسد بدون ما تنيمه بالغاز المثير للأعصاب، القذافى كان صايم وقتها وماكانش خايف أبدا وقال إنه طلب الشهادة". تعود جميلة لرواية الشاب الموجود في مصر: "القصف لم يكن عشوائيا لأن الناتو رصد مكان القذافى بسبب منشقين أبلغوا عنه"، وهنا تضيف جميلة معلومة جديدة تؤكد رواية الشاب، قائلة: "مقتل القذافى فيه خيانة من قبل المنشقين.. حيث كان القذافى يستخدم هاتف الثريا للاطمئنان على ذويه وكان الهاتف مراقبا.. وتعرض الزعيم للقصف بعد مكالمته لإعلامى ليبى فى سوريا يدعى الدكتور حمزة التهامى ليطمئن عليه، بعد ما سمع خبر سجن ابنه وزوجته فى طرابلس". وتكمل جميلة رواية الشاب: "بعد تعرض الموكب للقصف مرة أخرى، كانت سيارات الموكب إما محترقة أو إطاراتها متآكلة بسبب الشظايا وبالتالى بدأ كل ركاب هذا الموكب فى مغادرته على أقدامهم، وفى هذه اللحظة حصل إنزال لقوات من الناتو وأمسكوا بالقذافى ووضعوه فى منزل غير مكتمل البناء لمدة 3 ساعات". تحكى جميلة رواية أخرى مغايرة نقلا عن شاهد عيان آخر -رفضت ذكر اسمه أيضا- مسجون بمصراته، وكان متواجدا بالموكب، قال لها إن معمر القذافى لم يبق فى هذا البيت بل أخذوه فى سيارة إلى جهة غير معلومة. تقدم جميلة الدلائل على رواية الشاب الذى يعيش بمصر، مستشهدة بأن خبر مقتل القذافى وصل للإعلام فى الساعة 12.30 ظهرًا، وتساءلت: "كيف للناتو بترسانته الإعلامية من الجزيرة والعربية يصورون قتل القذافى بالموبايل؟ وهنا علامة استفهام". تواصل جميلة: "القذافى اتمسك حى فلماذا لم يسجن؟.. والأهم أنه تم عرض فيديو على قناة الجزيرة للقذافى مرة الدم موجود على يمين رأسه ومرة أخرى على يسارها، وهو ما يشكل أيضا علامات استفهام". تضيف جميلة المحمودي: القذافى الذى أعرفه لا يخاف من الصاروخ، فأنا أعرف شجاعته وأؤكد للجميع أن من ظهر على الشاشات ليس القذافى، وبصرف النظر عن كل ما سبق فإذا كان هو القذافى فأين جثته؟ تعانى مصراتة –التى تم نقل الجثة إليها- مع كل القبائل الليبية بسبب مقتل معمر القذافى، وأيضا بسبب السجون السرية التى يودعون بها أسراهم. وتضيف جميلة: "معمر القذافى كان ملاكا مقارنة بهؤلاء البشر"، فى إشارة منها إلى من تصفهم ب"المرتزقة والقاعدة" المتواجدين فى ليبيا حاليا. بنبرة حادة تقول جميلة: "أنا أتحدى أن يخرج أى شخص ويقول إنه قتل معمر القذافى سواء شخص أو دولة، فدم معمر القذافى مشكلة كبيرة ويسبب فتنة بين القبائل.. فمؤيدو القذافى ليسوا ليبيين فقط". اختلف البعض حول الطريقة التى تم التخلص بها من جثة القذافى، فحتى الآن غير معروف مكان جثته فالبعض قال إنها ألقيت فى البحر، والبعض قال إنها أحرقت وآخرين قالوا إنها صهرت فى مصنع الحديد والصلب الذى بناه القذافى، لكن جميلة تتمسك بروايتها المختلفة "حلف الناتو عمل إنزال وقبض على الزعيم وقتلوه ثم أخفوا جثته فى مكان مجهول". تقول جميلة إن مجلس قيادة الثورة أعلن أنه يخشى دفن جثة القذافى حتى لا يتحول لمزار ويتسبب فى فتنة بين الليبيين، فطالما أن المجلس يخشى أن يتحول قبره لمزار فهذا اعتراف بأن له مؤيدين كثيرين، فلماذا ينقلب عليه شعبه إذن،.. تستنتج الحارسة الحاصلة على دكتوراه فى العلوم السياسية من جامعة الفاتح: ما حدث فى ليبيا انقلاب من قبل المجلس الوطنى ومن معه وليس من الليبيين. سواء كان ماحدث فى ليبيا ثورة أم انقلاب فإن النتيجة واحدة فقد قضى الرجل الذى حكم ليبيا لمدة 42 عاما أيامه الأخيرة متنقلا بين بيوت الليبيين، لأنه كان من الصعب أمنيا أن يتواجد فى منزله أو بمعسكر العزيزية بعد أن تعرض كلاهما للقصف. القذافى تم طرده مرتين إلى مدينة مصراتة.. الأولى عندما تزعم حركة طلابية وساعد فى تنظيم مظاهرات ضد تفكك الوحدة بين مصر وسوريا وطرد من المدرسة من جراء ذلك فغادرت أسرته سبها بجنوب ليبيا وانتقلت لمصراتة، والثانية عندما أطلق عليه النار فى سرت - مسقط رأسه - ونقل وهو يحتضر إلى مصراتة مرة أخرى ليغادرها لآخر مرة.