عرف المسلمون في كمبوديا باسم "تشام" ويتحدثون لغة خاصة بهم، وقد تعرضوا لتطهير عرقي على مدى قرون أجبر كثيرا منهم على تغيير ديانته، ولكن ما يهدد مستقبل هؤلاء المسلمين اليوم ليس القتل والاضطهاد وإنما الفقر والجهل الذي يعانون منه. ومن ذكريات الاضطهاد التي لا تمحى في ذاكرة مسلمي كمبوديا مقتل نحو خمسة آلاف مسلم هم معظم أهالي قرية "قَهْ بُل" الواقعة على ضفة نهر ميكونغ على أيدي الخمير الحمر عام 1977، كما أنهم كانوا من أكثر المتضررين في الحرب الأهلية الكمبودية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. تشعر الأقلية المسلمة في كمبوديا اليوم بانفتاح سياسي وحقوقي من قبل السلطات لم تعهده من قبل، ويؤكد عمران أبو بكر الذي يعمل صحفيا في راديو ساب تشام أو صوت تشام "أن المسلمين تخطوا مرحلة الاضطهاد وأن السلطات الكمبودية اليوم تعتمد سياسة الانفتاح على جميع العرقيات والديانات وأطياف المجتمع بهدف الوصول إلى استقرار داخلي وبدء عملية تنمية خالية من الاضطرابات". ويضيف عمران -الذي يتحدث بعربية ركيكة- قائلا "هذا في النهاية يصب في مصلحتنا باعتبارنا أقلية عانت كثيرا من الاضطهاد". وقال إن أعداد المسلمين تراجعت خلال الحقب الزمنية الماضية بسبب الاضطهاد المستمر، ولكن وضعهم في تحسن، فهم اليوم يشكلون ما بين 3% و5% من مجموع السكان وفق تقديرات غير رسمية ويزيد عددهم عن نصف مليون نسمة. أما رئيس مؤسسة التنمية الإسلامية الكمبودية عثمان بن حسن، فأشاد باهتمام رئيس الوزراء الكمبودي هون سين بتنظيم إدارة شؤون المسلمين، وذلك بتشكيل إدارة للإفتاء وتعيين مفت على رأسها ومنحه صلاحية تعيين إمام لكل منطقة هو بمثابة الحاكم الإداري للمسلمين، وغير ذلك من الترتيبات الإدارية لشؤون المسلمين. ويقول عثمان بن حسن للجزيرة نت إنها المرة الأولى في تاريخ كامبوديا التي يشغل فيها مسلمون مناصب عليا في مكتب رئاسة الوزراء، وإن حكومة كمبوديا الحالية ترى أن من مصلحتها الاستفادة من المسلمين لتحسين صورتها لدى العالم الإسلامي وإقامة الجسور معه، ولذلك فإنها معنية بالانفتاح عليهم وعدم التضييق عليهم. التحدي الأكبر لكن صالح بن نوح -مساعد وكيل وزارة التعليم الكمبودية- يرى في حديثه للجزيرة نت أن توقف الاضطهاد لا يعني أن الأقلية المسلمة لم تعد تعاني من مشاكل، وأن المسلمين الذين كانوا مهمشين في السابق ما زالوا محرومين من كثير من الخدمات، ويزيد المشكلة تفاقما خصوصية الأقلية المسلمة، فمع أن المسلمين -يواصل بن نوح- متساوون في الحصول على التعليم الحكومي المجاني مع غيرهم فإن بعضهم يتردد في إرسال أبنائهم للمدارس البوذية، لأنهم لا يريدون لهم تعلم البوذية ولا يوجد مناهج لتعليم الدين الإسلامي في هذه المدارس. ويضيف صالح بن نوح قائلا "كان علينا أن نبدأ من الصفر لإقامة بنية تحتية للتعليم، والمشوار ما زال طويلا أمامنا لإقامة نظام تعليمي موحد ومتكامل للمسلمين في كمبوديا، ويستبعد الاعتماد على دعم الحكومة في ذلك لأنها لا تتبنى سياسة إقامة ودعم مدارس دينية لجميع الأديان، ولذلك فإن على المسلمين أن يوفروا مصادر خاصة بهم والقائمة غالبا على التبرعات من الدول الإسلامية الأخرى لدعم التعليم الإسلامي. ويعزو مساعد وكيل وزارة التعليم الكمبودية تفاقم مشكلة التعليم بين المسلمين الكمبوديين إلى قلة التمويل ونقص الخبرات والكوادر المؤهلة وعدم وجود مناهج، ويضيف أن المسلمين لا يجدون حساسية حكومية من التمويل الأجنبي بل إن الحكومة تسهل ذلك، مشيرا إلى أنه من أجل حل مشكلة المناهج حاول بعض المهتمين جلب مناهج من ماليزيا ومصر. وهناك مئات المناهج -يضيف صالح بن نوح- تدرس حسب الإمكانيات والخبرات، ويشرف على التعليم الديني في كمبوديا متطوعون غير منتظمين بسبب أعباء الحياة التي تدفعهم للسعي وراء الرزق، حيث لا توجد ميزانيات أو مؤسسات تدعم التعليم في أوساط المسلمين، ويراهن بعض الشباب الكمبودي المهتم بموضوع التعليم على الوقت لتحسين الأوضاع الاجتماعية للأقلية المسلمة في كمبوديا. ومن أجل تحسين وضع المسلمين التعليمي يرى رئيس مؤسسة التنمية الإسلامية الكمبودية عثمان بن حسن، أن الأولوية يجب أن تعطى لتحسين وضع المسلمين الاقتصادي لأن معظم الطلاب المسلمين غير قادرين على الالتحاق بالجامعات المحلية عدا عن البعثات الخارجية المحدودة، ومن أجل تفادي مشكلة ضعف المدارس الحكومية وعدم تلبيتها لحاجات المسلمين تظهر الحاجة لإقامة مدارس خاصة وهذا يعني البحث عن مصادر تمويل كما أن المسلمين غير قادرين حاليا على دفع رسوم المدارس الخاصة. تعايش بناء يقع المسجد الرئيس في كمبوديا وسط العاصمة فنوم بنه ويخضع لإعادة إعمار منذ عدة سنوات وسمي بمسجد السركال نسبة إلى متبرع إماراتي بإعادة بنائه، كما أن مؤسسات كويتية تعهدت ببناء مساكن للطلاب المسلمين بجانبه، وفي جوار المسجد فندق صغير يقدم الطعام الحلال كغيره من مطاعم المسلمين القليلة في المدينة، وتوفر خدمة كبيرة للزوار المسلمين من خارج كمبوديا حيث يندر الطعام الحلال في مطاعم غير المسلمين. وقد تحدث بعض الشباب في المسجد عن علاقات جيدة تربطهم بالبوذيين، ووصفوها بأنها علاقة أبناء وطن واحد ومجتمع واحد، لكنهم يعترفون بعدم تمكنهم من مواجهة الشبهات التي تثار عن الإسلام بين الحين والآخر بسبب انتشار الجهل وقلة المثقفين المتمكنين من المناظرات أو الكتابة في الصحافة والظهور في وسائل الإعلام وسط الأقلية المسلمة. ويرى عمران أبو بكر أن الدعوة في أوساط البوذيين ضعيفة جدا لكن أجواء المحافظة وقلة الفساد في أوساط المسلمين مقارنة بغيرهم كانت سببا في إسلام عدد من البوذيين، لكن رئيس منظمة التنمية الإسلامية يرى أن الحكومة نجحت في منع ظهور مشاعر كراهية ضد المسلمين في حقبة ما بعد الحرب الأهلية واعترفت بأن المسلمين عانوا من الاضطهاد نفسه الذي عانى منه غيرهم، وأنهم قاوموا ببسالة اضطهاد الخمير الحمر جنبا إلى جنب مع الآخرين من أبناء وطنهم، ولذلك فإن الاضطهاد الذي عاناه المسلمون في بعض المناطق من العالم لم يعانه مسلمو كمبوديا.