(تعودنا في هذه البلاد عبر تاريخها أن نجعل الأفعال تسبق الأقوال، ولاشك أن استمرار تنميتنا ونمو اقتصادها يعتمد أولاً على توفيق الله ثم على شباب بلادنا الذي نتطلع إلى جهودهم ومشاركتهم في خدمة وطنهم). كلمة وجهها الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله بمناسبة افتتاحه الدورة الثانية لمجلس الشورى في جدة في 10/03/1418 ه الموافق 14/07/1997 م. يولد الإنسان، وتولد معه حقوقه، وتظل تنمو وتكبر، كلما نما الإنسان وكبر، حتى إذا مات، ورحل عن هذه الدنيا، وانتهى عنه ومنه كل شيء، ظلت له حقوقاً يجب أن تحترم، فلا يجوز تجاهلها أبداً، لا من الناحية الشرعية، ولا من الناحية الأخلاقية. هذا يعني أن الله خلق حقوق الإنسان قبل أن يخلق واجباته، ولذلك يجب أن تكون القاعدة الجديدة في وزارة الصحة، هي الحقوق أولاً، أي علينا أن نمنح المواطن حقوقه قبل أن نسأله عن واجباته، بالضبط كالطالب في المدرسة، إذ لا يحق للمعلم أن يسأله عن أداء واجباته المدرسية قبل أن ينال قسطه من حق التعليم، أليس كذلك؟. من المؤسف حقاً أن ترى كثرة الوعود الزائفة، ومن المؤسف أن تظن أن هناك أشخاصاً مهتمين بك، ولكنهم في الحقيقة يعتمدون على أسلوب التعمد في التأخير والمماطلة المستمرة بشكل ملفت، ولم يراعوا مشاعرك كإنسان، ومن المؤسف أن تعيش آمال الوعود، وتكون في أمس الحاجة إلى صدق الوعد. ومن المؤسف أن يؤخذ منك ما تستحقه، ويعطى لمن لا يستحق بسبب الواسطة، وعرف بذلك كبار الواسطة الذين لم يفرطوا بالفرصة الذهبية التي لاحت لهم في الأفق، وأظهرت لهم الكنز الدفين الذين كانوا غافلين عنه، لا يطاله الكساد ولا تغرب عنه الشمس، وكان لابد أن في البداية من أن يقوم الكبار بأكل الصغار، وإبعادهم عن الطريق، حتى يحلو لهم اللعب على المكشوف. ونحن هنا أمام إشكالية! هل نتجاهل هذه الوعود الزائفة، تلك التي تختفي وراء أقنعة قطع الرزق. نحن خريجي كليات العلوم الصحية، كليات تابعة لوزارة الصحة، قبل انضمامها إلى وزارة التعليم العالي، ونمثل الدفعة الأخيرة التي تلتزم وزارة الصحة بتعيينها. تلقينا التعليم والتدريب المكثف في منشآتها، يعامل المتدرب فيها في فترة الامتياز التي تبلغ 24 أسبوعاً معاملة الموظف، وذلك بالتقيد والالتزام بتعليمات وزارة الصحة، وأوقات الدوام وتوجيهات المسؤولين. وقد تخرجنا في بداية هذا العام 1430 ه، ونحن ما بين نار وزارة الخدمة المدنية، ورحمة وزارة الصحة، حتى صدر قرار معالي وزير الصحة السابق د. حمد المانع الذي يقضي بتعيين خريجي هذا العام 1430 ه، كآخر دفعة تلتزم وزارة الصحة بتعيينها. وتكمن معاناتنا النفسية مع وزارة الصحة، والوعود الزائفة من بعض مسئوليها، وبعض مشرفي الأقسام في المنتدى الرسمي لوزارة الصحة، وهناك حالة استياء عامة من جميع خريجي الكليات الصحية، على هؤلاء المسؤولين، نظراً لكثرة الوعود الزائفة، والتي تفتقد إلى المصداقية، والتعمد في استخدام أسلوب التأخير والمماطلة. هذا ما نلاحظه من سوء التنظيم، وبطء الإنجاز، وانعدام التعامل الإداري الراقي مع من يريد أن يستفسر حتى عن موعد إعلان التوظيف. لا نريد هذه النوعية من الشخصيات، التي ليس لديها احترام للذات، وإذا كان شخص ما لا يحترم ذاته، فكيف يمكن أن نتوقع منه احترام الغير. لا ننكر بأننا نمر بحالة من الحزن والقهر، وحالة من اليأس، بسبب ما تركته الوعود في أنفسنا من آثار سلبية، ومن حقنا كمواطنين أن نسأل، ممن يؤمن بأهمية السؤال. فقد عاش بعض خريجي الكليات الصحية بضعة أشهر، ضاعت فيها حقوقهم، بسبب كثرة الوعود التي تفتقد إلى بريق المصداقية، بل ضاعت أبسط حقوق المواطنة، ولا يمكننا أن ننسى معاناتنا كخريجين مع قطار الانتظار، بأمل الحصول على وظيفة، ولكن دون جدوى. يجب أن نتذكر بأن مصلحة الوطن، من مصلحة المواطن، ومصلحة المواطن، من مصلحة الوطن. والبعض قد تكمن معاناته في سبيل الحصول على وظيفة، حتى لو براتب متدن، وقد طرق البعض أبواب عدة للبحث عن مصدر رزقه، في القطاع الخاص، ولكن دون جدوى أيضاً. نحن لا نريد أن تكون لنا ردة فعل سلبية، من معاناتنا مع مثل هذه الوعود، ولا نريد أن نبتعد عن المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة، ولا نريد أن نسلك طريق المذاهب والانحرافات الفكرية والمنهجية الشاذة أو السلوكيات الهابطة، بما في ذلك من إرهاب أو مخدرات أو مجون، ولكننا نريد فقط الوصول إلى محطة الحياة الكريمة. الكل منا قد سمع عن السعودة في بلاد الحرمين، والكل منا قد سمع وزارة العمل وهي تشجع وتحث أصحاب القطاع الخاص على توظيف السعوديين، وفرضت شروط وعقوبات على من لا يتعاون مع "السعودة"، وهذا جهد يشكرون عليه، وواجب وطني، ومساعدة من القطاع الخاص للشباب السعودي العاطل. هل القطاع الخاص هو المسؤول الأول في هذا الجانب؟ وهل وظفت وزارة الخدمة المدنية بالشكل الكافي وأدت ما عليها تجاه الشباب السعودي؟ هل امتلأت الدوائر الحكومية وخاصة وزارة الصحة بالعدد الكافي من الشباب السعودي لكي نبدأ بمطالبة القطاع الخاص؟ الجواب وبنظرتي المتواضعة، لا. إننا نجد تقصير كبير وملحوظ من جانب وزارة الخدمة المدنية، ووزارة الصحة، ولا نجد أي توظيف أو زيادة لعدد المستشفيات أو المراكز الصحية، رغم النقد الدائم من المواطنين. عدة أسئلة تدور في أنفسنا، لماذا لا يتم توظيف الشاب السعودي، بدل الأجنبي، والمحافظة على رؤوس أموالنا؟ في وقت وصل فيه ما قام الأجانب الذين يعملون في السعودية بتحويله إلى بلدانهم خلال الأعوام العشرة الماضية إلى حوالي 164.25 مليار دولار، ولماذا نعيش أزمات ليس من الواجب أن نعيشها؟ هل يعقل دولة بهذا الحجم الجغرافي، وهذا الغنى النفطي، وهذا العدد القليل من السكان، أن نعاني من هذه المشاكل؟ لا أظن أن المجتمع السعودي، والله الحمد، يلجم المرأة أو يحرمها حق المشاركة والانتقاد والإدلاء بالرأي في القضايا المتعلقة بها، ولا ننكر أيضاً بأن النساء هن الأمهات والمعلمات والأخوات، وهن نصف المجتمع، لكن أين حقوق الشباب؟ نحن في دولة تطالب فيها المرأة بحقوقها، وهي في الواقع، ومن وجهة نظري المتواضعة، في دولة تتمتع المرأة بكامل حقوقها، وتسهل إجراءاتها، وحرص الشريعة الإسلامية التي تستمد المملكة منها أنظمتها ولوائحها على إعطاء المرأة كامل حقوقها بوصفها شخصية مستقلة وشريكة للرجل في بناء الأسرة والمجتمع. وبحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله على أن تتمتع المرأة بجميع الحقوق والواجبات التي ينص عليها النظام، كالحق في العمل والرعاية الصحية والاجتماعية، وحمايتها من الفقر، وحقها في التعليم المجاني بمختلف مراحله، ولكن للأسف ضاعت فيها حقوق الشباب، حتى أصبح الشباب لا يجد ما يستثمر به وقته، أو يشغل وقت فراغه. غياب التخطيط والتنظيم والتخبط الأعمى ممن يصدر من وزارة الصحة من قرارات، ومن هذه الأخطاء التي ارتكبتها وزارة الصحة، بتأخير توظيف الدفعة الأخيرة، أو ما تسمى بالدفعة المستقلة، وتوظيف ممن كانوا على قائمة الانتظار، بعد إخضاعهم لتدريب مكثف لمدة ثلاثة أشهر، على حساب الدفعة الأخيرة. خطأ لا يمكن تجاهله، لماذا لا يتم توظيف الدفعة الأخيرة (المستقلة) أولاً لأنها قضت فترة الامتياز المكثف في منشآت وزارة الصحة دون الحاجة لإخضاعهم لبرنامج تأهيلي، وذلك لتوفير عامل الوقت والتكلفة، وبعد ذلك يتم توظيف ممن هم على قائمة الانتظار من خريجي الكليات الصحية أو المعاهد الصحية الأخرى، بعد إخضاعهم للتدريب. لكن وزارة الصحة بتخبطها الأعمى قلبت الموازين وقامت بتوظيف ممن هم على قائمة الانتظار، وإخضاع خريجي الدفعة المستقلة للانتظار، وبعد ذلك يتم إخضاعهم لتدريب مكثف لمدة ثلاثة أشهر. أيعقل هذا؟ والبعض يتساءل! أين وزارة الصحة من توظيف ممن هم على قائمة الانتظار لأكثر من أربع سنوات؟ أليس هذا ظلماً؟ لا ننكر إن الإنسان معرض للخطأ، لكننا نطالب بضرورة تحسين الأداء والعمل الإداري في مثل هذه الوزارات، وخصوصاً في وزارة الصحة، ونريد أن تتفادى وزارة الصحة السلبيات بصورة عاجلة. ونريد فقط التوقف عن الوعود الفارغة، وبدلاً منها اتخاذ موقف، ومرة أخرى لنتذكر أنه ليس عيب في أن نرتكب خطأ، في الواقع هناك ما هو جيد، لأن ذلك يعطينا الفرصة لنتعلم شيئا لم يكن لدينا فكرة مسبقة عنه فيما لو أننا لم نقم بهذا الخطأ، لذلك دعونا نقف وننفض الغبار عن أنفسنا ونهنئ أنفسنا على نعمة الرحمن؛ البصيرة، والتي مكنتنا من أن نعترف بأننا ارتكبنا خطأ، فمعظم الناس لا يدركون حتى أنهم يرتكبون خطأ فكيف بأخطاء متكررة، ومنها لنتحرك إلى الخطوة التالية، ألا وهي دراسة أخطائنا وغرس ما تعلمنا في الذاكرة، حينها فقط سوف يبحث العقل الباطني تلقائياً عن سبل لمنعنا من تكرار الخطأ نفسه في المستقبل، والآن، أليس هذا أفضل من الوعود الواحد تلو الآخر؟ الأكثر مرارة من ذلك، أن ترى اهتمام الغرب بالعلم والتعلم، ونحن خريجي الكليات الصحية من حملة شهادة المشاركة، لا نجد أية فرصة من وزارة التعليم العالي، في برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لإكمال مرحلة البكالوريوس، عندما قصَّرت جامعاتنا في أداء دورها حيث رفضت، وما زالت ترفض، أعداداً كبيرة ممن يتقدم إليها مما جعل القادرين من هؤلاء الطلاب يتوجهون خارج بلدهم بحثاً عن كليات يستطيعون من خلالها مواصلة مشوارهم التعليمي. ومن المؤسف والمحزن أيضاً أن نجد أعداداً من هؤلاء الطلاب، ومن الجنسين، يدرسون في دول يفترض أن بلادنا سبقتها بمراحل في التعليم، كما أنها في الوقت نفسه، تفوقت بمراحل كثيرة في الإمكانات المادية والبشرية، لكن هؤلاء الطلاب اتجهوا إلى هذه الدول رغماً عنهم عندما وجدوا أن جامعات بلادهم وضعت أمامهم سدوداً صعب عليهم تجاوزها، فإن ما تعلموه في تلك البلاد، أياً كان سيكون له مردود واضح على بلادنا، سلباً أو إيجاباً. وستكون هناك أسئلة كثيرة عن أسباب تجاهل الجامعات السعودية للأعداد الكبيرة من طلاب الكليات الصحية الذين اضطروا للهجرة خارج بلادهم. لابد أن يكون لدينا إشراقة في عقولنا نقيس بها الأمور لكي يستمر ضياؤها، فلا نستخدم ذلك المنظار القاتم الأغبر ونقصي ما شئنا من المجتمع. إننا نناشد خادم الحرمين الشريفين، ونناشد وزير الصحة د. عبد الله الربيعة، النظر في معاناتنا واتخاذ الإجراءات المناسبة لتعيينا بأسرع وقت ممكن. عن خريجي كليات العلوم الصحية، الدفعة الأخيرة الناطق الرسمي ورئيس الحملة بدر العكروش