لم أكن أصدق يوماً من الأيام أنه سيذهب من أمام ناظري ! فكم ملأ بيتي بالبسمة ، والحديث عن كل خبر جديد في الساحة ، وربما تخلل حياتنا بعض الصراخ والشجار بيننا _ كما هي طبيعة البيوت _ ولكنها أحداث مقبولة تضفي نوعاً من الحس الملموس بين جدران البيت . حياة جميلة مع ابني .. يتخللها الصبر على متاعب الحياة ، والرضاء بما قسمه الله من الرزق ، فمرة نشتري كل ما نحتاجه ، ومرة ننتظر نزول الراتب الشهري ، ومرة يذهب هذا الراتب بأقساط شهرية ، كما حياة باقي البشر . تمر الأيام وهو يكبر شيئاً فشيئاً ، حتى أصبح يعمل في هذه الحياة ويطلب من الله فتح باب رزقه حتى يؤسس بيتاً جديداً ، إلا أن المصارحة في كل ما يحدث في حياته لا تزال قائمة بيننا والحمد لله . ها هو ابني ينتهي من ترتيب أمور الزواج ، نعم يستعد للزواج ، لم أصدق ! فقد أصبحتُ أشاهد أيام صباه ولعبه كطيف جميل يعلو سماء الخالق الجميل سبحانه . دخلتُ ذات يوم إلى البيت فإذا هو جالس قد علاه الصمت ، يفكر في الأيام المقبلة في حياته ، فقلت في نفسي : لابد من وقفة معه تبدد غيوم الصمت ، وتفتح له نافذة ينظر من خلالها إلى شمس الحياة المقبلة بحسن ظن بالله وتفاؤل . فجلستُ إليه وقلت : اقترب يا بني .. فاقترب حتى كاد أن يجلس في حجري لشدة قربه ! فعلمتُ أنه متعطش لسماع ما يكون سبباً لحياة سعيدة بعد توفيق الله . فقلت له : يا بني .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم _ في الحديث القدسي _ يقول الله تعالى ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ) فكلما أحسن العبد الظن بربه وأكثر من ذكره كان الله معه ، فأحسن الظن بالله أنه سيجعل حياتكم الجديدة سعيدة . واعلم يا أبني أنه ما من بيت من بيوت الناس إلا وفيه سعادة وفيه خلافات ، حتى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ! نعم ، فقد كان له مع زوجاته خلافات أسرية ، لأن هذه هي طبيعة الحياة ، فلا يمكن أن تجد بيتاً سعيداً على الدوام ، ولو كان هناك بيت على هذه الصفة لكان أحق به بيوت النبي صلى الله عليه وسلم . وتذكر أنه كلما كان البيت قائما على طاعة الله تعالى كان الغالب عليه الوئام والألفة والمحبة ، وكلما كان قائماً على معصية الله كان الغالب عليه كثرة المشاكل . فقال الابن .. زوجتي امرأة غريبة عني وسوف تكون أمّاً لأولادي ، فما هو حق الزوجة والأبناء ؟ فقلت .. إن حق الزوجة عظيم ، فقد أخذتها يا بني بكلمة الله وأصبحت حلالاً لك بهذه الكلمة ، وهذا يا بني ميثاق سماه الله في كتابه غليظا ، قال تعالى ( وأخذتم منهن ميثاقاً غليظا ) . واعلم يا بني أن المرأة خُلقت لتكون أنساً وشريكاً للرجل في حياته فيما أباحه الله ، وقد جُبلت على الضعف واللين _ ليست كالرجل _ فهي تحتاج إلى صبر ، ولها عليك أن تحسن إليها ، وتنفق عليها وعلى أبنائها ، واعلم أن أفضل دينار تنفقه ، دينار تنفقه على عيالك ، كما قال ذلك صلى الله عليه وسلم ، وإذا كرهت من من زوجتك خُلقاً رضيت منها خلقاً آخر . وليكن عندك يا بني مبدأ التنازل ، فإذا اختلفتما في شيء ليس فيه ضرر عليك فلا يمنع أن تنزل عند رغبتها في سبيل جمع الكلمة وعدم الإختلاف ، وإذا احترت في أمر فصلِّ صلاة الاستخارة واستشر زوجتك فهي أقرب الناس إليك ، فربما تجد عندها من البركة في رأيها ما لا يخطر على بالك ، واجعل شعارك في حياتك مع زوجتك وأبنائك ( الرفق ) قال صلى الله عليه وسلم ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نُزع من شي إلا شانه ) وقد يحتاج الأب إلى غير ذلك ولكن في حدود الشرع ولا يكن مبرح . وكن مع زوجتك وأبنائك حَسن الكلام ، حريصاً على الجلوس معهم ، حلو المنطق ، نظيف الثياب ، فإن الرجل الذي يكون سليط اللسان ورث الهيئة مذموم في شرع الله ، ومذموم عند النساء ، قال صلى الله عليه وسلم ( والكلمة الطيبة صدقة ) وقال ( إن الله جميل يحب الجمال ) . ولا تضرب الوجه عند تأديب أبنائك ، ولا تدعوا على زوجتك ولا على أولادك فإنك لا تدري لعلها توافق باباً من السماء مفتوحاً فيستجيب الله لك فتندم على ذلك . وكن لزوجتك وأبنائك خير قدوة لهم على طاعة الله موجهاً ومرشداً وناصحاً ، فإذا استقمت استقاموا معك بإذن الله ، وإذا تساهلت مع أوامر الله تساهلوا معك ، قال صلى الله عليه وسلم ( والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته ) . اسأل الله أن يبارك لكما ، وأن يبارك عليكما ، وأن يجمع بينكما في خير . والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . صالح بن محمد الطامي