من لهؤلاء المساكين الهائمين على وجوههم في الطرقات , والأزقة , تحت أشعة الشمس الحارقة , ولهيب الأجواء الساخنة , أجساد تتحرك , حافية القدمين , شبه عارية , وقد تكون عارية فعلا كما أخبرني أحد الأصدقاء عندما قال وجدت أحد أولئك المرضى يتقلب على أحد الأرصفة ويتدحرج في عز الظهيرة وهو عار تماما والناس من حوله يتفرجون , فمن لمثل هذا !؟ إنهم لا يدركون حجم الضرر الذي قد يلحق بهم , أو المخاطر التي قد يتعرضون لها , يسيرون على غير هدى , فلا يعرفون إلى أين هم ذاهبون , يعيشون على بقايا الطعام الذي تقع عليه أعينهم , فتلتقطه أيديهم وتضعه في تلك الأفواه البائسة , حتى ولو كان غير صالح للاستهلاك الادمي , فهل نرضى لهم أن يفعلوا كما تفعل الكلاب الضالة والقطط , (أكرمكم الله) (وأكرمهم) , ثيابهم رثة ومتسخة , ورائحة القذارة تفوح منهم , وما هم عليه من حال لا يسر عدوا ولا صديقا . إنهم إخوتنا اللذين فقدوا نعمة العقل لسبب من الأسباب , وهي كثيرة , فقد يكون ذلك بسبب مرض عقلي , أو نفسي , أو فاجعة من فواجع الدنيا , أو أنهم من ضحايا المخدرات , فهل نتركهم هكذا !؟ . إننا معنيون جميعا (كمجتمع مسلم) بالمحافظة عليهم وعلى أدميتهم التي لا يدركون أنهم قد افتقدوها , وهذا ابسط حقوقهم علينا , ولكننا كأفراد لن نستطيع أن نقدم لهم الكثير. ولكن هناك من يستطيع أن يفعل ذلك من اجلهم كوزارة الشؤون الاجتماعية , والجمعيات الخيرية , ورجال المال والأعمال , مع أنهم لا يريدون من ذلك الكثير إلا القليل , فهم يحتاجون فقط إلى مأوى , وطعام , وملابس نظيفة , ويحتاجون إلى من يرعاهم , ولن يأتي من يطالب لهم بفنادق خمسة نجوم , وسيارات فارهة , وأندية رياضية , ومراكز ترفيه. قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة ) والمؤمن الحق من كان على ما جاء في هذا الحديث الشريف فعَنْ ا لنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) رواه البخاري ( 5665 ) ومسلم ( 2586 ) وبما أن وزارة الشؤون الاجتماعية هي المعنية أولا بقضية هؤلاء المشردين , فأنني أُناشد معالي وزيرها الكريم , وأنا على يقين من أن معا ليه لا يرضى أبدا بهذا الضياع الذي يعيشونه , أن يتبنى قضية أولئك المساكين , ويأمر بإنشاء دور رعاية كافية لاستضافتهم إذا كانت الدور التابعة لوزارته لا تكفي , وجمعهم فيها حالا , ولا يجب تركهم أبدا بحجة أن ذويهم لم يقوموا بتسليمهم لدور الرعاية من البداية , أو أنهم سلموهم , ثم استلموهم بعد ذلك مكرهين لعدم توفر أماكن لهم في الدور , ومن ثم أهملوهم , لأنهم قد يكونون عاجزين أصلا عن السيطرة عليهم . ثم إن الدور الاجتماعية هي مكانهم الطبيعي , ولا يجب أن يخرجوا منها أبدا لأنها ,ستحفظهم (والحافظ الله تعالى) أفضل من ذويهم , فلا لإخراجهم , أو تسليمهم , ولا لعودتهم إلى حياة الضياع مهما كانت الأسباب. أما إذا أبدى ذويهم الرغبة في استلامهم , أخذ ت عليهم التعهدات اللازمة بالحفاظ عليهم , أو إعادتهم إلى الدور , وإن لم يفعلوا ووجد المريض في الشارع وأخذ إلى الدار مرة أخرى , فلا يسلم لذويه إلا في حالة شفائه من مرضه , لأنهم لم يلتزموا بما تعهدوا به , أما إن لم يرغبوا في استلام مرضاهم أبدا فلا يجب إجبارهم على ذلك , لأن الحكومة لم تقصر أصلا في رعاية هذه الفئة , فهي قد تكفلت بهم , ومادام الأمر كذلك فلا يجب إخراج أحدا من الدور المخصصة وهو في هذه الحالة المزرية ليضيع بين ذويه , والدور, ويكون مصيره قارعة الطريق. كما يجب على تلك الدور أن تطور الية عملها , لتكون لديها مثلا فرق ميدانية , وفرق للزيارات المنزلية لمرضاها (المسلمين) لذويهم برغبتهم , فلا يجب أن ينتهي دورهم بمجرد التسليم , كما يجب على تلك الدور تخصيص أرقام للتواصل مع ذوي المرضى , والتواصل مع المبلغين عن الحالات التي يصادفونها وقد تسربت من الدور عبر أولياء الأمور. إن منظرهم وهم يجوبون الطرقات مؤلم جدا , خاصة في هذا الشهر الفضيل وقد بلغت درجات الحرارة حدا لا يطاق , ومن أنعم الله عليهم بنعمة العقل لا يكادون أن يخرجوا من بيوتهم ويبتعدون عن التكييف إلا إلى تكييف أخر في السيارات وللضرورة القصوى فقط , فهل هذا حقهم علينا وقد عرفنا حالهم شفاهم الله , وهل هذا من رسوخ الأيمان في القلب !؟ عن أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري ومسلم . فهل هذا مااحببناه لهم , الجواب بكل تأكيد لا , ولكن (ما باليد حيلة) على الأقل بالنسبة لنا كأفراد. أرجوا من الله العظيم , أن يكون هذا الشهر الكريم بتوفيقه تعالى أخر عهد أولئك المظلومين , بحياة الشوارع , والأزقة , ومرامي النفايات , فهل تحقق وزارة الشؤون الاجتماعية هذه الأمنية مشكورة , ويكسب العاملون فيها وعلى رأسهم معالي الوزير , والعاملين في دورها الاجتماعية أجران , أجرهم الذي يتقاضونه شهريا والذي يطير) بسرعة قد تعادل ( سرعة الصوت) وأجر من الله (قابل للادخار) فهو يبقى وغير قابل للضياع لأنه (وما عند الله خير وأبقى) والله من وراء القصد سلطان صياح الميموني [email protected]