خص الله هذه الأمة بالعمل بالتقويم الهجري المعتمد على الأشهر القمرية , ولمّا رتب الشارع على دخول بعض الأشهر أو انتهائها بعض العبادات كصوم رمضان , وحج بيت الله الحرام , فقد تولى الله بيان ماتعتبر به بداية الشهر ونهايته على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقال (( صوموا لرؤيته , وأفطروا لرؤيته , فإن غُمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً )) . ولمّا كانت شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان فإن الله سبحانه قد علم بسابق علمه ظهور هذه الآلات الفلكية التي تحسب مولد الهلال بحسابات دقيقة , ومع ذلك فإن الله تعالى لم يعتبرها وإنما خص ذلك بالرؤية . وفى الإعتماد على الحساب الفلكى وترك العمل بالرؤية إهدار للعلة الشرعية التي أناط الشارع الحكم بها ، وإسقاط لحجية الرؤية الشرعية , ونبذ لحكم المحاكم الشرعية , وإثارة للقلاقل والإضطرابات ، وزيادة في الفرقة والإنقسام بين المسلمين . فمن ذلك : ماحدث في هلال الفطر شهر شوال من عام 1406ه أعلن بعض الفلكيين في الصحف استحالة رؤية هلال شوال ليلة السبت (30) من شهر رمضان. فثبت شرعاً بعشرين شاهداً بالمملكة العربية السعودية في مناطق مختلفة . ومن ذلك : ماحدث في دخول شهر شوال عام 1408 ه فقد زعم بعضهم أن القمر سيغرب قبل غروب الشمس يوم الأحد الموافق للتاسع والعشرين من رمضان , وبناء على ذلك نفوا امكانية الرؤية ، وقد ظهر خطؤهم بثبوت رؤية الهلال في ليلة الاثنين في عدد من المدن والقرى في مملكتنا الحبيبة ، ورؤي أيضاً في عدد من البلاد المجاورة . ومن ذلك : ماحدث في رؤية هلال عيد الفطر لعام 1413ه حيث نفى بعض الفلكيين إمكانية الرؤية بحجة أن القمر يغرب قبل الشمس بحوالي نصف ساعة في أنحاء المملكة، ومع ذلك فقد شوهد في أنحاء مختلفة من المملكة وفي الإمارات وتكاثرت الشهادات حتى بدأ مجلس القضاء الأعلى برفض الشهادات لكثرتها . ومن ذلك : ما حدث في ثبوت شهر شوال لعام 1425 ه ، حيث أن بعض الفلكيين جزموا أن هلال شوال لا يمكن أن يُرى مساء الجمعة ، وأن شهر رمضان سوف يكون كاملاً، وأن أول أيام العيد هو يوم الأحد . ومع ذلك فقد رؤي هلال شوال مساء الجمعة في أكثر من منطقة . ومن ذلك : ما حدث في عام 1427 ه في هلال رمضان وهلال شوال , فقد زعم كثير من الفلكيين استحالة رؤية هلال رمضان ليلة السبت ، فرؤي واضحا في عدد من الأماكن ، وثبت شرعا في المحاكم الشرعية بشهادة العدول في السعودية وغيرها ، وصامت لرؤيته نحو من خمس عشرة دولة , وبعد بطلان ماأدعوه زعم بعضهم أن الذي رآه المسلمون وصاموا لرؤيته هو كوكب عطارد لا الهلال ، وأثار فتنة عظيمة وشكك المسلمين في صومهم , وأين الهلال من عطارد ! ولم يقفوا عند هذا الحد – ولعله انتصاراً لحظوظ النفس - بل راهنوا في رؤية هلال شوال وخسروا الرهان , ثم لما دخل شهر ذي الحجة برؤية الشهود العدول زعم بعضهم أنهم " توهموا " فقد رأوا كوكب الزهرة فظنوه هلال ذي الحجة ! وآخر ذلك ماحصل في العام الماضي 1432ه في رؤية شهر شوال , حيث نفى كثير من الفلكيين إمكانية الرؤية مطلقاً , وكذّب الواقع مازعموا فقد رؤي في السعودية في شقراء وسدير ورؤي في غيرها كقطر والأمارات واليمن والأردن وسوريا ولبنان ومصر والجزائر وتونس وغيرها من البلاد الإسلامية , فانقسم النافون لإمكانية الرؤية بين مشكك في عدالة الذين رأوه , وبين مدعٍ أن ماشوهد هو كوكب زحل وليس الهلال ! ولمّا كان إعلان دخول الشهر وخروجه من اختصاص اللجان الشرعية في وزارة العدل لمنع التشويش على الناس , فإن من الضروري منع التصريحات التي تربك العامة وتشككهم في صومهم وفطرهم وحجهم , وتشكك في صحة ماتعلنه وزارة العدل من بيانات , فعلم الفلك علم جميل جليل , لكن ليس من اختصاصه اعتماد دخول شهر أو خروجه لارتكاز ذلك على معايير معينة حددتها الشريعة , فلو نأى الفلكيون بأنفسهم عن ذلك لمّا شوّهوا سمعة علم الفلك . كتبه / الباحث الفلكي والتاريخي : زاهي الخليوي