لو أن كل الأمنيات تتحقق على أرض الواقع لتمنيت أن أفتدي عمري لرجل له أثر عظيم في حياتي ، وترك بصمات لا يمحى أثرها ما دمت على قيد الحياة، ألا وهو والد زوجي ( سليمان بن عبدالله التويجري ) طيب الله ثراه . الذي أكننت له كل حب واحترام وإجلال وتقدير ، وقد تغشتني لحظة نعيه بوشاح أسود ، ونزلت علي فاجعة وفاته كالصاعقة ، فذرفت الدموع وأخذت أسترجع شريط ذكرياتي مع رجل قل أن تجد مثيله ، فهو رقيق القلب ، نافذ البصيرة ، سخي اليد ، واسع الصدر ، بشوش المحيا،طلق الوجه، متواضعاً ، قريب إلى نفس كل من عرفه *بأحاديثه الطيبة التي تشفي النفوس وتطرب الأذان ،كل هذه الصفات جعلتني أتألم لفقده ، فقد فقدت كنزاً ثميناً ملأ علينا حياتنا ، وكان يتحسس أحوالنا ، ويتصل بنا ليطمئن علينا ، فهو دائماً يتوق لسماع أخبارنا ، لا أنسى يوم قدومه لخطبتي من والدي لابنه ، وافق والدي فوراً ، وقال لي : إن صديقي وخليلي يطلبك لابنه ، كنت حينها لم أتجاوز العقدين ،خفت كثيراً كيف سأخرج من بيت الحب كيف سأفارق والديّ الحنونين العطوفين ، وإخوةً وأخوات ،فكان والداي يطمئناني أنك ستذهبين إلى بيت أهلك ، فهو أبوك الثاني وزوجته ستكون أمك الثانية ، وأخواته سيكنّ أخواتك . فدخلت بيتاً يماثله مع تغير الأشخاص فقط . فأصبح الغالي رحمه الله يعاملني كوالدي ، فكأنني إحدى بناته فلم أشعر بالفرق ، حتى أن خالتي (أم زوجي ) أيضاً كانت تعاملني كابنتها و تناديني يا ابنتي ، فأحسست بحنان الأب والأم الذين فارقتهما . كم كنت أجد متعة السفر مع أهل زوجي ، فكان فقيدنا رحمه الله لا يدع فرصة من فرص السفر إلا ويصحبني معه ، فيعرفني بمعالم جديدة فتركت أثرها في نفسي .فهو يحب أن نجتمع في الحل والسفر. ومنذ أن انتقلنا إلى الدمام وأنا شديدة الشوق للقائهم ، فقدموا لزيارتنا ومكث بضعة أيام ، ثم ذهبوا مودعين ، أحسست بالحزن حين دقت ساعة فراقهم لنا آنذاك فذرفت الدموع الغزيرة لوداعهم ، فلم يتمالك الفقيد رحمه الله نفسه حين رآني، فعاد إلي مرة أخرى يمسح دموعي ويطمئنني ويعدني بأن يزورنا ثانية ، فقبلت يديه وتبعته عيناي الحزينتان لفراقه فاحسست أن قلبي قد انخلع من جسدي ليرافقه في سفره . ولا أنسى يوم أن قام ولدي حافظ وهو ابن العامين بتمزيق شجرة عائلة التويجري في مكتب والد زوجي ( وهذه الشجرة عمل الفقيد رحمه الله على ترتيبها وجمعها قرابة خمسة وعشرين عاماً وهي في مرحلتها الأخيره لطباعه ) ، ثم دخل فقيدنا رحمه الله مكتبه ليجد عمله ممزقاً ، فلم يغضب ، ولم يبحث عمن مزقها ليوبخه، بل قام بإعادة تلصيقها فعادت وكأنها جديدة . وعندما أنجبت ابنتي الجوهرة أصبت بألم المرارة ، وقرر لي الطبيب عملية ، لم يشجعني أحد إلا القلب الرحيم رحمه الله وقال لي اعمليها وتوكلي على الله ، وجاءني عند أهلي وذهب بي إلى المستشفى و رتب لي موعداً ، والحمد لله تمت العملية بنجاح بفضل الله ثم تشجيعه لي ، وعندما استيقظت من العملية قدم لزيارتي ومعه خالتي ( أم زوجي ) وفي أثناء وجودهم عندي أتت الممرضة وطلبت مني أن أشرب ماء مقدار ملعقة ، فأخذ الحنون رحمه الله الماء ورفع رأسي وأسقاني الماء بيده الطيبة. كان يهاتفني وأنا بالدمام كل جمعة ليطمئن علينا . وكان يفعل ذلك مع بناته اللائي بمكة وجدة . وفي أثناء مرضه كنت إذا دخلت عليه يرحب بي كترحيبه بي في عافيته ، وإذا قدمت له عملاً شكرني ودعا لي ، وكان يقدر العمل الذي أقدمه له صغيراً كان أو كبيراً فقد بلغت أنا وزوجي وابنائي مرتبة عالية من الحب الذي يكنه لنا ، نعم لقد كنا مقربين محبوبين لديه ، لايمكن أن أنساه ماحييت ، كيف انساه وأنا كلما وجة وجهي ، وقلبت بصري أراه امامي ، أراه بين النخيل الذي غرسه بيده ، أراه في طريقه إلى مسجده الذي بناه ، أراه في مكتبه الذي يكتب فيه ويواصل بحوثه ، اقلب كتابه الذي صنفه ،* سليمان لقد سكنت في روحي وقلبي ، وارتسمت ذكرياتك في نفسي ،مهم أكتب عنك فلن أوفيك حقك، بل أظل عاجزة مما أحمل لك واكنه من الحب ، فقد رأيت منك خلال عقداً من الزمن أو يزيد كل خير وسلامة صدر ، فأنت نبع ثٌر من ينابيع الخير ، فلك معي صولات وجولات من مواقف جميلة ، يعجز القلم ، ويكل اللسان عن تعداد ما تركت من طيب أفعالك ، وجميل خصالك ، مع ما تميزت به بعملك الناصع وقلبك الطاهر وصدقك قولًا وعملاً وعزاؤنا فيك قولنا ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) الهي...* تحت أرضك سليمان بن عبدالله *تتوق روحي للقياه اللهم اجمعني به في الفردوس الأعلى وأسكنه فسيح جناتك وأعلى ذكره في العالمين وخلد شأنه مع المقربين ورفع منزلته في عليين وأسبغ نعمتك عليه مع الصالحين . وسلوانا وجود صاحبه الإحساس المرهف و الهمس اللطيف صاحبة القلب الصافي والسريرة النقية* نعم الجليس .. وخيره الأنيس ..* هي خالتي الغالية (ام زوجي ) التي لا يماثلها أحد . اسأل الله أن يحفظها وأن يطيل عمرها على عمل صالح .* زوجة ابن الفقيد* سحر بنت عبدالله الفوزان