مع توالي الأحداث، وتعاقُب الوقائع، تتجلَّى لنا حقيقة تتصدَّع منها أقاويلُ باطلة، ودعاوى فاسدة، لطالما أزكمَ أنوفنا نَتنُها، وآذَى أسماعنا نَشازُ أصواتها. تِلكم الحقيقة هي: أنَّ الليبرالية سرابٌ يَحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا ما أتاه لَم يَجده شيئًا. أحلام زائفة، ووعود كاذبة، يُرَوِّج لها سَدَنة هذا الفكر؛ ليُخيَّل لسامعيها أنها السبيل الأمثل والطريق الأوحد للعيش الهانئ والسعادة الحقيقيَّة، فإذا ما انساقَ السامع خلفها وسلَك سبيلها، تفاجَأ بوجه قبيحٍ، ومنظر بَشِعٍ كَرِيه، هي الصورة الحقَّة لهذا الفكر. وقد دأَب كثيرٌ من أتباع هذا الفكر على إطلاق شعارات برَّاقة، وعبارات رنَّانة؛ ليُضفوا عليه بريقًا ولَمعانًا؛ ليَجذبوا لهم الأنظار، ولتُصغي لحديثهم الأسماع، فإذا ما أمَعَنَّا الفكر ودَقَّقنا النظر في شعاراتهم ومقاصدهم، تبيَّن لنا مصداق تلك الحقيقة، وهي "أنَّ الليبرالية سرابٌ". وإن كانت الوقائع القريبة وليست الأخيرة، خيرَ برهانٍ على مصداق ذلك - وما بهو ماريوت عنَّا ببعيد - ولكن ليكون الأمر أكثر وضوحًا، وليَزداد اليقين يقينًا، فلنَأخذ مثالاً واحدًا من شعاراتهم المزعومة، وليكن شعار الحرية. فما هي الحرية التي ينادون بها؟! هي حرية تُبيح للمرأة خَلْع حجابها بحُجَّة التقدُّم والرُّقي؛ لأنه تخلُّف ورجعيَّة، حرية تُبيح لها أن يكون لها عشيقٌ وتكون هي عشيقة، حرية تُبيح لها أن تخرجَ متى شاءَت بلا قيدٍ ولا وصاية؛ لأنه تسلُّط وتشكيك وتخوين، حرية تُتيح للشاب لُبْسَ ما كان مُزريًا فاضحًا، بكلِّ صفاقة ووَقاحة - وموضات طيّحني وغيرها خيرٌ دليلٍ - حرية تُتيح له أن يُمارس الرقص والتميُّع، والتخنُّث والتسكُّع - وقصَّات شعور الشباب دليلٌ واضح فاضحٌ - حرية تُتيح له السفر من غير حسيب ولا رقيبٍ، حرية تُطلق العِنان للشهوات، ثم تقول لهم: إيَّاكم أن تَقعوا في المحظورات! أَلْقَاهُ فِي الْيَمِّ مَكْتُوفًا وَقَالَ لَهُ إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَبْتَلَّ بِالْمَاءِ فأيُّ حرية تلك التي تُهيِّج في النفوس الشهوات وتُؤَجِّجها، وتُزَيِّن الوقوع في الرذيلة وتُسَهِّلها، وتُحَطِّم القِيَم والأخلاق وتُفسدها، وتَئِدُ الفضيلة في النفوس وتُحاربها. فهل هذه حريَّتهم التي زعموا؟! تبًّا لحرية تَجعل من الهوى إلَهًا يُعبَد؛ ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23]. وبُعْدًا لحريَّة تقود صاحبها لحياة بهيميَّة؛ ﴿ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ [محمد: 12]. الحريَّة الحقَّة هي في العبوديَّة الخالصة لله - عز وجل -: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]. فهل وَعَينا حقيقة ذلك السراب؟! الليبرالية سراب