من الهراءِ أن تنبتَ الأشواك مستقلةً بذاتها بجرأةٍ و عنفوان .. هنالكَ المهد الذي اعتصمتْ به مِئزراً يعولُ قيامها .. يُقال أن تلك الأشواك في زمنِ العفّة كانت متزوجةً وردتها ، مُتّشحة بالطهرِ والبياض .. بذرةً يُرتجى ثمرها ..تفوحُ على الراصدين فُلاَّ وريحانا ..لم ينقم منها نموها تخاذلاً ولا انكسارا .. ولكن أقدام العابرين الذين استمّدوا من فلسفة العقولِ التي لم تتبللّ بالإيمانِ عروقها دستورهم ولم يعد يحكمهم غير أهواء وشهوات أنفسهم افتضّوا عذرية تلك الوردة .. خنقوا أنفاسها بوحشية مقنّعة إلى أن تفتّقت و لاقت تحت أيديهم مصرعها.. وانقضّوا على شوكتها متبجّحين مستحلين ، و سافروا بها إلى الأمصار البعيدة التي لا يقرّها عقلٌ ولا منطق وهذبوها على منهجهم و غمسوها بالوحل سنوات حتى تشبعّت .. و لمّا بدأت تلفظُ على الحقولِ رجسها وقذارتها .. وتلوثّ الفضاء بزفيرها..هجروها وأداروا نحو النكرانِ وجوههم ..وأطلقوا لافتاتِ البراءة كما يتبّرأ الإجرام من روّاده! إن القلوب بين إصبعينِ من أصابع الرحمن يقلبّها كما شاء ، كما أخبرنا بذلك من تستلقي في أعيننا سيرته و تكتظّ ألسننا بالصلواتِ عليه .. ولعلّ أفضل ما نسألُ الله به حال قراءتنا هذا .. الثبات ..ثُمَ الثبات .. إن الفكر الإسلاميّ الأصيل..لم يحرّم الانفتاح على ثقافاتِ الأمم الأخرى ولا النيلَ مما يصبّ في صالحنا العام ، لأن هذا ليسَ من أخلاقيّاتِ ديننا الحنيف ، ولكنه علمنا أن لا ننحني لما يتعارض مع شرائعنا ولا عن أصول عقيدتنا ولا أن نغيّر بما استخلفا الله في الأرض لأجله ووصّانا به الأنبياء وورثتهم فنوفّقَ بين أصالتنا ومعاصرة تلك الشعوب كي لا نؤذي "خاطر" الحداثة المضللة ! بل علّمنا أن نتذوق منهم ما يخدم الغاية الكبرى من وجودنا والتي من أجلها بعثَ الله رسله مبشرين ومنذرين ، أن نروّض ما يصنعونه لنصنعَ منه مجدنا ، أن لا ننطلق إلى دنياهم بنفس الدرجة التي ينطلقون إليها .. لأنها جنتهم وزخرفهم الأول و الأخير ، والرجلُ اللبيب من توقّف عند باب الحانة الذي تختبئ خلفه الجميلاتُ الراقصات ولم يتجاوب مع فكرة الإقدام على الاقتراب .. فالشيطان يهمز ولا يكفّ ، وفي لحظة تتعرّى فيها النفسُ من نفسها قد يقترف الإثم و لا يشعر بهذه النفس إلا وهي متسخة بالعار والصغار! بعد هذا ، هل تظنون أنه من العبث أن أصرّ على اختتام مقالتي بما افتتحته بها ؟ ولكن إنه من الهراءِ فعلاً أن تنبتَ الأشواك مستقلةً بذاتها بجرأةٍ و عنفوان ..و من الهراء ..رؤية هذا الهراء يُروّج له بواسطة عقول منفوخة بالهواءِ تباع وتشترى ! غادَة عبدالعزيز الحسون