سيارة ال " لكزس " منتهى الرفاهية والإتقان البشري ، وهي آخر ما وصل له العقل من التقدم التكنولوجي في عالم السيارات ، ولم يستعص الأمر علينا أن يتملّك الكثير منا هذه السيارة العظيمة التي كل شيء حسب فيها بالمليمتر إتقان ودقة جمالية، فرغم أن الإنسان السعودي أنفق مئات الألف من الريالات من أجل امتلاك هذه السيارة الفارهة ، فمن المتوقع أن يكون سلوك الإنسان فارهاً ومتقناً وجميلاً بحجم هذه التكنولوجيا الجميلة المبدعة ، ولكن يتعثّر هذا الإنسان كثيراً في أن يرفع نفسه لمستوى الإتقان الميكانيكي والتقني ليكون إنسان متقن ..ويتحول الإنسان من " لكزس" إلى إنسان بحجم " كرولا" ضعيف الإتقان قليل الإمكانيات متواضع الإبداع، صغير جداً في عين نفسه وعين الآخرين لأن سلوكه وأخلاقياته لم تكن متقنة بحجم إتقان سيارته التي يركبها ! أتساءل دائماً ، لماذا يشتري الرجل السعودي هذه السيارة العامرة بأكثر بكثير من ربع مليون ريال ، لكن مع هذه السيارة الجميلة يقوم هذا الإنسان بأعمال غريبة جداً ؟ يوقف سيارته بشكل خاطئ مغلقاً الطريق على أخرين ، ربما يقطع أشارة ضوئية، وربما عكس اتجاه سير المركبات من أجل توفير مسافة أو وقت ، فلم تشفع له هذه السيارة الفارهة وتقنيتها العالية ليكون بحجم أداءها ويكون الرجل السعودي بحجمها، بل ربما أصابه الغرور لأنه يملك سيارة لم يتسنّ للآخرين تملكها ( الغرور صفة إنسانية سيئة وحقيرة ). والأمر لا ينطبق على السيارة ، فمباني شاهقة في بلدنا ذات جمالية تنافس مثيلاتها في العالم وتتقاسم معها أرقام تنافسية على مستوى الشرق الأوسط وأسيا وغيرها، لكن إن وجدت الإنسان فيها فربما وجدته مخادعاً، قليل الحيلة ، قلقاً ، يفتقد لأبجديات أخلاقيات المهنة وربما أيضاً غاشاً وسارقاً وكل هذا يحدث مبنى عظيم وفاره وجميل جداً ويدهش الغربيين واليابانيين من روعته ! هذا هو ما يحدث تماماً ، عدم تواكب التقنية والإنشاءات العظيمة مع أخلاقيات العمل وديانة الالتزام بالواجبات ، فكأننا نهتم بالمظاهر من خلال ( سيارة عظيمة، مبنى شاهق ورائع ، إمكانيات مادية فخمة ) لكننا لا نهتم بالجوهر وهو الإنسان المستفيد من السيارة والساكن العامل في المباني العظيمة والمستغل لهذه الإمكانيات المادية الفخمة. إنني أتساءل ، متى يولد الإنسان الأكثر استغلالاً للحياة المادية بشكل أنساني وأخلاقي ومحافظ على المكتسبات فرجل لديه القدرة على رمي نفايات سيارته الكاديلاك من خارجها ، وربما لديه القدرة على مخالفة الأنظمة والقوانين من خلال أعمال غير نظامية مستغلاً غفلة النظام والقانون وهو يعيش في مبنى عظيم جداً يشار له بالبيان هو سقوط وفجوة بين الإنسان السعودي ومنجزاته المادية ، لأننا بتنا مدهوشين للعمارة والمبنى غير مهتمين بالدهشة بالإنسان نفسه ، رغم أن لدينا مرجعية تراثية عظيمة لدفع عجلة الأخلاق للأمام والإتقان ، فالدين الإسلامي يكرس مفاهيم العمل والإتقان والحرص على خدمة الإنسان ونحن أبعد عنها، مشغولين بالسيارة والأثاث وأفضل مبنى بالعالم وأطول عمارة في التاريخ ! بالتأكيد؛ إن غفلتنا عن الإنسان تدخلنا نفق كبير جداً وهو أنه مع تراكم أخطائنا في حق بعضنا البعض وفي حق الإنسان في بلدنا لن نستطيع التغيير لأن حجم الخطأ أكبر من محاولات التغيير ، لكن لدينا فرصة عظيمة جداً الآن لتطوير الإنسان قبل الآلة ، وخلق لغة تعامل جميلة أفضل من مباني جميلة، فالإنسان أولاً في هذا البلد .. عبدالحليم البراك.