إن طاشوا فنحن السبب الحمدلله وبعد : فإن المتأمل لكثير من المسلسلات بأنواعها وأشكالها يجد أنها خرجت من تصرفات المجتمع نفسه فأبطال هذه المسلسلات هم أناس يعيشون في أجواء هذا المجتمع بما فيه من خير أو شر وهم يرسمون في المسلسل نتاج ما توصلت إليه أفهامهم سواء كانت قويمة أم سقيمة ولعل من المسلسلات المشهورة والتي فيها الكثير من الأخذ والرد والقيل والقال مسلسل طاش ما طاش الذي أصبح برقمه الثامن عشر والناظر إلى بدايات طاش يجد أنه مسلسل أعجب الناس بطرحه الجريء في حل القضايا وهذا ما ينشده الناس غالبا ، الصراحة والجرأة في الطرح والضرب على الأوتار الحساسة وخاصة الرئاسية والسياسية منه ودونه الخطوط الحمراء وهذا ما أكسب هذا المسلسل شهرته , ولما جاءت بعض المغالطات والأخطاء في أسلوب النقد خاصة للمؤسسات الدينية وربما دخل بعضها في باب الاستهزاء المحرم قام فريق آخر من المصلحين والغيورين بالإنكار غير أن أكثر أساليب الإنكار لم تكن محمديِّة بل كان حماسيَّة وهو ما زاد الطين بلة وزاد الهوَّة والجفوة بين أفراد هذا المجتمع المسلم . لقد كان الواجب على المجتمع السعودي خاصة أن يكون مكتفيا بأخذ فتوى العلماء من قبل والتي تدعو إلى ترك المشاهدة وحسب ' لكن العجيب والمشكل هو حينما يتطور الأمر إلى إخراج كثير من المقاطع والردود الكثيرة التي في بعضها صلف وشدة وعدم رحمة وعدم عدل وخاصة أن طاقم المسلسل وإن كانوا مخطئين غير أنهم ربما لا يدركون ماهية الاستهزاء ولا حقيقته وخاصة أنهم يزعمون معالجة جميع القضايا دون استثناء!!. وكان المفترض أن نأخذهم بقدر علمهم وتفكيرهم وأسلوب علاجهم ونقابل الحجة بالحجة من دون تهديد أو وعيد أو شن حرب ضروس بل نكون الأهدى والأسدى . أخرج الإمام مسلم في صحيحه وجاء عند البخاري مثله من حديث أبي حازم قال : كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة ، فكان يمر يده حتى يبلغ إبطيه ، فقلت : يا أبا هريرة ، ما هذا الوضوء ؟ فقال : يا بني فروخ أنتم ها هنا ؟ لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء . فقال : سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) لا أشك أن أبطال المسلسل لو رأوا احداً يعمل مثل هذا العمل لمثلوا في ذلك واستهزأوا به والسبب هو عدم إحاطتهم بالعلم الشرعي في هذا الأمر فيظنونه تزمتا وتشددا . إن مما يحزن أن الأمر يزداد سوءا حين نرى بعض أئمة المساجد يقنت عليهم بأشخاصهم وأسماءهم وهذا لاشك دليل على عدم الفقه وتحكيم العاطفة والحماس ولو أنهم دعو بعامة على من استهزأ بالدين لكان خيرا فإنه ليس لهم من أمر رحمة الله شيء . جاء في الحديث عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء إلى قوله فإنهم ظالمون ) فإذا كان هذا في شأن المشركين بيني الكفر فكيف بمن دونهم فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت على أحد من الذين استهزأوا به في تبوك لأجل استهزاءهم . لقد اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة كلام الله تعالى عليهم وحسب لم نرى النبي صلى الله عليه وسلم دعا لقتلهم ولا لإيذاءهم بل قال صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء وأمثالهم (لا يتحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه ) فإذا كان الأخ ناصر القصبي والأخ عبدالله السدحان شوهوا بعض صورتنا للعالم فهل من الحسن أن نعامل السيئة بالسيئة فنقتل صورة المعاملة التي أمر بها الإسلام إلى صورة لا تنم إلا عن الانتقام والسب والشتم وحسب . وفي كل حين وبعد المسلسل قبل العشاء تأتيني رسالة وعند إعادة المسلسل قبل الفجر تأتيني رسالة يقول صاحبها : ياشيخ انا رأيت طاش ماطاش والله إنهم يستهزأون ويفعلون ثم يشتمهم السؤال لهذا الأخ : لماذا أنت تشاهد ؟؟ أنت بدروك ما فعلت ؟ ولو تأملنا إلى مسلسل طاش وجدنا أنه في سنواته الأخيرة أصبح رتيبا كئيبا ولذا هو يحاول أصحابه أن يستعملوا ورقة النقد للمؤسسات الدينية والتي رفعت من اسمه ومن قيمته وفي النهاية ولو أننا تعاملنا مع هذا المسلسل وغيره معاملة المشفق فأسدينا النصيحة وبذلنا الكلمة الطيبة وحذرنا ما يحتاج لتحذير لما وصل مسلسل طاش ماطاش إلى ماوصل إليه من صريح الاستهزاء ولكننا وبصراحة كنا الورقة الإعلامية الرابحة التي يستعملها المسلسل كلما أحس ببعد الجماهير عنه وهو ما يدعوا المجتمع السعودي للفضول ثم بعد ذلك يكون النقد الهادف وغير الهادف . وأنا أراهن على أن المسلسل كغيره من المسلسلات إن بقي على تقصده لفئة معينة أرهن على فشله الذريع ولكن بشرط أن لا نكون نحن الورقة التي تستعمل في تعظيم حجمه وتكبير مكانته بل نحسبه كمسسل من المسلسلات الذين إن أساؤوا فعلى مجتمعهم الذين هم جزء منه وأن أحسنوا فلمجتمعهم الذين هم منه وإني في نهاية مقالي لأسأل الله تعالى أن يهدي القائمين على مثل هذه المسلسلات وأن يردهم إليه ردا جميلا فلا تزال عندهم بقية خير وجذوة دين فإن صلاحهم وهدايتهم أحب إلينا من تعذيبهم وإهلاكهم . والله من وراء القصد د . ناصر بن عبدالرحمن بن ناصر الحمد إمام وخطيب جامع الإمام بن ماجه رحمه الله