( جاءت الشريعة الإسلامية بتنظيم وتيسير أمور الحياة وتحقيق الخير والسعادة للمسلم ) حقيقة لا يمكن أن يجهلها أو يشكّك فيها مؤمن . ومع ذلك تسير أمورنا وتطبيقاتنا المعيشية في شؤون حياتنا بعيدا عن هذا المنهج الرباني بضوابطه ومعاييره . إن الزواج نعمةٌ من أجلّ نعم الله على عباده وأجملها , وسنّةٌ من سنن الله في خلقه . وقد حملت الشريعة المطهرة ما يحقق الرفق والتسهيل في هذا الجانب , ولكن ككل أطراف حياتنا التي طالها الخلل والمخالفة بالابتعاد عن أوامر الله وأحكامه , تحوّل الزواج أيضا إلى سلسلة من التعقيدات والمشاكل بل والمآسي أحيانا . لن يكون الحديث اليوم كما تعودنا الحديث عنه من قضايا الزواج والحياة الأسرية وما يتخللها من عوارض ويتهددها من أزمات , وإنما يرتكز النقاش حول الترتيبات لهذا الزواج وطرائق الناس في الاستعداد له , وكيف تحولت أفراحنا بسبب عاداتنا البائدة أو الدخلية إلى شقاء ومآتم مستقبلية لطرفي الارتباط الزوجي وخاصةً الزوج ! ومع أن الإسلام بمنهجه الشامل شرع لنا الفرح والاستمتاع بكل مباح ! إلا أننا ولعميق الأسى نأبى دوما إلا الانحراف في مساراتنا عن هذا الهدي القويم ! . فحتى هذا الزواج الذي هو بمثابة المرفأ الآمن والجنّة الدنيوية التي تشتهيها الأنفس بنعيمها ولذائذها من الحب والدفء والسكن والاستقرار . بات مشروعا مخيفا يخشاه الشباب ويعزفون عنه وقد تطاردهم آثاره وتكاليفه المعنوية والمادية قبل وبعد الزواج , بما يكفي لتنغيص حياتهم أعواما طويلة . سنغض الطرف عن المنكرات الكثيرة والمخالفات الشرعية التي تصاحب مراحل الخطوبة وعقد النكاح واحتفال الزواج , فقد بيّنها أهل العلم والدعوة وأوضحوا مآلاتها وعواقبها . وتبقى الإشارة هنا إلى ظاهرة الإسراف و مظاهر التفاخر والمباهاة والتقليد الساذج ... والتي أضحت كلها تمثّل مرضا اجتماعيا خطيرا يهدّد اقتصاد المجتمع وأخلاقه ويعطّل القضاء على مشاكل العنوسة وانحرافات الشباب وغيرها .. وتتفاقم هذه المشكلة بشكل اكبر في دول الخليج حيث تشير بعض التقارير على أن متوسط تكاليف الزواج في قطر يبلغ 250 ألف , بل قد تصل في بعض الأحيان إلى مليون ريال , مابين المهر والمسكن والتأثيث والسفر , وبطاقات الدعوة والمستلزمات الشخصية كاللباس وغيره , و قيمة حجز قاعة الأعراس مع التجهيزات التي تشمل قائمة الطعام والمشروبات وزينة كوشة العرس والإضاءة والصوت والتصوير والفرق التي ستحيي الاحتفال . أما في السعودية فقد قدّر خبراء متوسط تكاليف الزواج بنحو 150 ألف ريال للفرد الواحد , وبذلك قد يصل متوسط تكاليف المتزوجين سنويا إلى 11,7 مليار ريال . وبلغ حجم ماتستهلكه هذه الزواجات من الذهب خلال عام واحد 32 طن بقيمة إجمالية تفوق 1,7 مليار ريال . كما أشار مستثمرون في مجال تنظيم حفلات الأعراس حجم مايتكبّده السعوديون على تأجير قاعات الأعراس والخدمات المقدّمة داخل القاعات بنحو 4 مليار سنويا . وتذكر مصادر اقتصادية أن قيمة ماتدفعه السعوديات على الجمال والأناقة لصيف واحد قارب 400 مليون ريال . إذن فبعد أن نعلم مايتغرّمه الشاب المسكين لأجل فستان هيفاء الذي اختارته عروسه أو ماكياج نانسي وزفّة أنغام من ثقل الديون وأعباء القروض . مايتحول بهذا الزواج في نظر الشباب إلى حرب ضروس . مما قد يفشل هذا المشروع كليةً ويهدم أركانه السعيدة . ولا عجب أن يقول الشاعر العرس والمآتم والزار ** ثلاثةٌ تشقى بهم الدار . http://twitter.com/#!/