نعاني هذه السنوات من ارتفاع مذهل في درجة الحرارة و بشكل لم يسبق له مثيل و قد لا يعلم الكثير أبدا التفسيرات العلمية لذلك, فأحببت أن أكتب بشكل مبسط جدا عن أسبابها و ما يمكننا فعله تجاه هذه الظاهرة المناخية المتفاقمة في ظل ازدياد عدد السيارات و الطاقة الكهربائية و بشكل سريع. الاحتباس الحراري هو أكبر مشكلة بيئية يواجهها العالم هذه السنين. تعريف بسيط للاحتباس الحراري: ارتفاع غازات الغلاف الجوي (و أهمها ثاني أكسيد الكربون) سبب في حبس حرارة الشمس و عدم انتشارها, فبالتالي ازدياد هذه الغازات يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة و قد ازدادت هذه الغازات بمعدل 12% في ستينات القرن العشرين. الأسباب: -ازدياد عدد السيارات. عندما يتم حرق الوقود في السيارات فإن ما ينبعث نتيجة هذا الاحتراق هو غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) و هو أحد أهم الغازات التي تزيد مشكلة تغير المناخ أو الاحتباس الحراري و لهذه الغازات تأثيرات صحية أيضا. و في احصائية لعدد السيارات في المملكة العربية السعودية, ذكر اللواء سليمان العجلان أن العدد هو 8 مليون سيارة و حذر من أن العدد سيزداد بمعدل مليون سيارة سنويا. -من الأسباب قلة النباتات و ظاهرة التصحر, فهذه النباتات تقوم بامتصاص ثاني أكسيد الكربون و تطلق الأكسجين, و نحن البشر نقوم باستنشاق الأكسجين و طرد ثاني أكسيد الكربون, و ندرك جميعا أهمية النباتات من حديث الرسول –صلى الله عليه و سلم- "إذا قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة فليغرسها", و نتعلم من هذا الحديث أهمية الزراعة و المشاركة بإيجابية في البيئة. -إحدى الأسباب هي الإنارات الكهربائية. قالت أمل كوشك من هيئة مياه و كهرباء دبي: "استطعنا توفير 100 ألف كيلو واط ساعة عام 2008 م و هذه الكمية تكفي لإضاءة 33 ألف لمبة لمدة شهر, و تم توفير حوالي 60 ألف كيلو جرام من غاز ثاني أكسيد الكربون على الغلاف الجوي". و صرحت أمل بأن الهيئة تضع خطة استراتيجية لموضوع ترشيد الاستهلاك و لديها حملات و برامج على مدار العام و برامج للمدارس و جوائز للمستهلك المثالي و جوائز لطلبة المدارس, و هذه مبادرة رائعة و استراتيجية للترشيد في الاستهلاك نتمناها من كل المواطنين و المسؤولين. و من قسم الاقتصاد في جامعة ولاية ميزوري ذكر محللون عام 2010 في بحث لهم أن 30% من الإضاءات الكهربائية هي تبذير بدون أي فائدة, و أن هناك 72.9 مليون ميقا واط ساعة من الكهرباء لسنا بحاجة لها و هي تكلف مبلغا و قدره 6.9 مليار دولار سنويا, و تقوم هذه الطاقة الكهربائية (الثلاثون في المائة التي لم يستفاد منها) بانبعاث 66 مليون طن متري من غاز ثاني أكسيد الكربون, و أن اطفاء هذه الطاقة الكهربائية و الإضاءات التي لم يستفاد منها هو بمثابة إزالة 9.5 مليون سيارة (و يقصدون إنتاجية هذه الغازات الخطيرة). فالاضاءات تبعث كمية هائلة جدا من CO2 كما رأينا في هذه الإحصائيات. صورة: ذوبان الجليد في القارة القطبية الشماليCourtesy: AFP). مخاطر الاحتباس الحراري: سئل د. عبدالله الوليعي (قسم الجغرافيا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) عن عواقب التسخين الحراري فقال: "أكثر آثار التسخين الحراري خطورة هي الارتفاع العالمي في مستوى سطح البحر بمقدار متر إلى خمسة أمتار مما سيهدد الناس الذين سيعيشون قرب السواحل". إحدى تأثيرات هذه الظاهرة هو عدم تحمل البشر و الكائنات أيضا الحرارة اللاذعة هذه الأعوام. ذكر البروفيسور ديفيد باربر من جامعة مانيتوبا أن ظاهرة الاحتباس الحراري في تزايد بشكل غير متوقع و أن القطب الشمالي سيصبح خاليا من الجليد في نهاية القرن الحادي و العشرين و ستزداد الحرارة بين عامي 2013 و 2030 على نحو غير مسبوق. جاء ذلك في مشروع بحث قام به 370 عالما من 27 دولة بقيادة البروفيسور باربر. و في تحليل للوكالة ناسا أن بين عامي 1993 و 2009 و على مدى 17 عاما اختفى 1400 كيلومتر مكعب من طبقات الجليد بسبب الذوبان و هي تمثل 32% من تلك الطبقات الجليدية. ارتفع منسوب المياه بمعدل 12 سنتيمتر على مدى قرن بين عامي 1880 إلى 1980 ميلادي (علما أن أديسون أشعل مصباحه الكهربائي المشهور عام 1879 ميلادي أي قبل عام من هذه الدراسات الطويلة). يتوقع ارتفاعه بمعدل 40 إلى 60 سنتيمترا عام 2050 م و يقترح بعض العلماء ارتفاعه مترا واحدا و هذا أمر مخيف, فقد حذر أحد الباحثين أنه عند ارتفاع منسوب المياه بمعدل نصف متر فستغمر المياه مساحة 1754 كم و سيتأثر 3.3 مليون نسمة, و عند ارتفاعه مترا (كما هو متوقع في منتصف هذا القرن) فستغطي المياه مساحة 4476 كم و يتأثر 5.3 مليون نسمة. نعلم أن كل شيء بإرادة الله –سبحانه و تعالى- و لكن يجب عليك معرفة هذه الحقائق و عدم انكارها أو تجاهلها و قبول الحقائق العلمية التي يضعها العلماء في شتى العلوم, ثم أن كثير من المعلومات المذكورة هي حقائق و ليست مجرد افتراضات. ماذا فعلت الدول تجاه هذه الظاهرة؟ -بسبب اهتمام كثير من الشعوب بالعلم و تطبيقه, فقد جاء في تقرير ثاني أكسيد الكربون السنوي العاشر أن انبعاث هذا الغاز من السيارات الجديدة في بريطانيا قد نزل بمعدل 3.5% عام 2010 م, و انخفض المعدل بنسبة 20% منذ عام 2000 م, و نزل انبعاث ثاني أكسيد الكربون من 189.8 إلى 164.9 جرام/كم (جرام من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر تقطعها السيارة) من عام 1997 إلى 2007 م و تم توفير مليون طن من غاز CO2 سنويا. انظر إلى الكمية الكبيرة التي تبعثها السيارة الواحدة لكل كيلومتر. تطفئ 50 منطقة على الأقل في بريطانيا إنارات الطرقات من منتصف الليل إلى الفجر كل ليلة لعدم الحاجة لها في هذه الفترة, و أكد ذلك بوب ميزون لي شخصيا لأنهم وجدوا فوائد لم يحصوها من هذا الفعل و منها: -توفير كميات كبيرة جدا من غاز ثاني أكسيد الكربون و الحد من تقلب المناخ على المدى البعيد. -توفير مبالغ ضخمة و فوائد اقتصادية. -تقليل نسبة الجرائم (على عكس ما نعتقده نحن), فإن المجرم بحاجة للنور حتى يرى و يكمل مهمته, فإن دولة كبريطانيا فعلت ذلك و هي لم تسمع حديث الرسول –صلى الله عليه و سلم- "اطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم" و قد رأينا كل الفوائد البيئية و الاقتصادية و حتى من ناحية معدل الجرائم. هناك دراسات و احصائيات لا حصر لها تؤكد ذلك ليس هذا مجال مناقشتها لكن طالما ذكرت هذا الأمر دعوني أذكر سريعا غيضا من فيض الأدلة التي وجدتها (و قد أناقشها لاحقا بالتفصيل لحساسيتها). كتبت الشرطة تقريرا في بلدة سافرون والدن بمنطقة إسيكس شمال لندن أن الجرائم نزلت بمعدل 50% جرّاء اطفاء إنارة الطرقات ليلا. إن سبب ظننا باختصار هو الخوف النفسي من الظلام فقط. الغرب يطبق سنة الله في الكون و سنة الرسول و حصدوا فوائد كثيرة جدا, و نحن لم نطبق شرع الله و نُبقي إنارات المنازل الخارجية حتى يفرّ المجرم و هو مجرد اعتقاد لا أكثر و لا أقل. يقول بيل إيفيز: "من سيستفيد من إضاءة أمن بقوة 500 واط تترك مضاءة إلى الصباح؟! هل هو المقيم المستغرق في نوم عميق, أم الشرطي العسكري البعيد عن هذه الإضاءة مسافة عشرات الأميال في سيارة الشرطة, أم اللص الذي يجهز أدواته بسهولة تحت هذه الإضاءة", و أنا أقول تترك لرفع غازات الاحتباس الحراري و للتسهيل على اللصوص و لتدمير البيئة. تذكر أن المجرم إنسان و يحتاج النور للرؤية تماما مثلي و مثلك. ثم أن الإضاءات القوية هذه الأيام لم تمنع آلاف الجرائم, فكيف نضعها لتزيد الأمن. ظلام الليل هو إحدى أعظم نعم الله على الأرض و البشر و الكائنات التي ظن الناس هذه الأيام أنها نقمة أو مجلبة للجرائم, فعليك أن تتأمل كلام الله عز وجل عن الليل. و باختصار فإن إحدى أقوى أسباب الجرائم هو عدم وجود أناس في المكان سواء كان منيرا أم مظلما. عليك بما ذكره الرسول, و لاتخشى أي شيء و عليك بأذكار الصباح و المساء فهي الحصن الحصين لنا من كل شيء (لا إنارات الأمن). لماذا لم يشتك أحد من الظلام في ساعة الأرض, حيث أطفأت كل مدن العالم الإنارات, ماذا تعتقد الإجابة؟!! لا تنظر للمسألة من هذه الزاوية الضيقة فقط بل انظر لما يسببه من تقلبات مناخية كما حصل و انظر لكل السلبيات التي ذكرت بعضها في مقال سابق عن التلوث الضوئي. أنا شخصيا أطفئ الانارات الخارجية للمنزل منذ أكثر من عشرين سنة و لم يؤثر ذلك أبدا على حياتنا. -البرنامج الأوروبي لتقليل الإضاءة: قامت بلدية مدينة دوبرتش في بلغاريا بالمشاركة في البرنامج و وفرت 95% من استهلاك الإضاءة و تم حفظ طاقة تعادل 2,819,640 كيلو واط ساعة و حازت على جائزة عام 2010 م من بين 12 فائزا بسبب ترشيدها المذهل في الإضاءة الكهربائية. أما بلدية مدينة كوناس فقد قللت الطاقة الإجمالية من 5,604 كيلو واط إلى 3.014 كيلو واط (54%) و حصلت على جائزة عام 2008 م. هذا يدل على أن 95% من إنارات مدينة دوبرتش كانت اسراف, إذن كم هو حجم الاسراف في السعودية؟!! الحلول: - النقل العام, لن أقول قطارات (حتى أكون واقعيا) فبنيتنا التحتية لا تسمح, لكنها تسمح باستخدام الباصات و هي أسرع الحلول و هذا نداء لوزارة النقل أن تبدأ بدراسة هذا المشروع و تطبيقه بأسرع وقت, و يجب وضع باصات جديدة و كثيرة في كل المدن و تتنقل بشكل دوري و في أوقات معروفة بين حيّ و آخر (كل 20 دقيقة أو نصف ساعة على سبيل المثال) و سنخفف الزحام الرهيب و نوفر على البيئة غازات الاحتباس الحراري بشكل لا يصدق. - الترشيد في استهلاك الكهرباء و وضع جوائز و محفزات لهذا الأمر. - استخدام الدراجات للمشاوير القصيرة الشخصية داخل البلد. قد لا تقتنع بهذا الحل لأن الحالة الاجتماعية لا تسمح لك لكنها إحدى أفضل الحلول لهذه القضية و الزحام المروري و أنا اول من سيبدأ بهذا الحل و متأكد أن الكثير سيقلدني, فلنستورد دراجات عالية الجودة إن كنت متحرج من ركوب الدراجة العادية في الأسواق. الدراجات لا تبعث هذه الغازات كالسيارات. يستخدم الغرب الدراجات بكثرة لتعدد فوائدها, حتى العلماء و أساتذة الجامعات يستخدمونها يوميا, أما نحن فنريد البانوراما و اللكزس و قد يسوق السيارة شخص واحد فهناك فوائد صحية كثيرة من الدراجات, فلنبدأ في هذا الحل في مشاويرنا القصيرة داخل المدينة بدلا من السكون و الكمون امام مقود السيارة و ارتفاع السكتات القلبية. قد نحتاج تنظيما مروريا في الطرقات عن طريق المرور لهذا الأمر. لن أقول لا تسق السيارة, بل استخدم السيارة إذا احتجتها. تذكر أن الفائدة في التطبيق و ليس في الكلام النظري. تحياتي المعطرة, عبدالرحيم حكمي – جيزان [email protected]