على الرغم من ثقتي أن شباب المملكة لديهم من الدين والرأي ما يجعلهم يرفضون ويستهجنون تلك الأصوات النشاز التي ينفخ فيها المتربصون لتحقيق مآربهم بالدعوة إلى القيام بمظاهرات في بلدنا الغالية، إلا أنه لا يمنع الغيورين على هذه البلاد العزيزة أن يحذّروا حيطة ونصحا من يقد يخذله الرأي ويعوزه الصواب فتجره هذه الأصوات نحوها منخدعا بما يدعدون له أمور قد تستهويه أو تمس واقعه بشكل من الأشكال، وإنني ألفت نظر هؤلاء أن يفكروا مليا في العواقب التي يجرها مثل هذا التصرف على أنفسهم وبلادهم وقبل ذلك كله على دينهم، وأحب أن أنبه في هذا الشأن بما يلي: 1- قد يتأثر بعض هؤلاء بما حدث في بعض البلاد العربية كتونس ومصر وليبيا، وبالقنوات التي تؤجج العواطف للتظاهر، فينبغي أن يتنبه لأمور منها اختلاف واقع الدول فلا يصح أن يطبق ما حدث في دولة ما على دولة أخرى لاختلاف الظروف، ففي تونس مثلا النظام والدستور يسمح بالمظاهرات، وبلغ الظلم مبلغا عظيما شمل أمور الدنيا والدين حتى لم يعد المسلم والمسلمة يستطيع ممارسة شعائر الدين، والأمر الثالث أن العلماء هناك الذين هم أعلم بالنظر في عواقب الأمور وتقرير الموقف الشرعي هؤلاء قرروا وأيدوا المظاهرات في بلدهم لما رأوا المصلحة، الأمر الرابع أن هذا الرأي أجمع عليه الشعب ولم يعد لهم مخالف وأيدهم الجيش على ذلك. وكل هذه الأمور لا يوجد منها شيء في بلادنا ولله الحمد، فالنظام لا يسمح بالمظاهرات فالمظاهرات هنا خروج على القانون المستمد عندنا من الشريعة بينما المتظاهرون هناك غير خارجين على النظام لأنه كما سبق يقر ذلك، كما أننا على العكس في المبرر الثاني هناك، فالدين تتبناه الدولة عندنا وأنظمتها مستمدة منه وهناك مؤسسات حكومية تُعنى بنشر تعاليم الإسلام والحفاظ عليها، وأما المبرر الثالث هناك فمعدوم عندنا فالعلماء حرّموا هذا العمل وحذروا منه، وأما الرابع فعندنا عكسه فهنا إجماع على الحرص على الوحدة وحفظ الأمن ونبذ المظاهرات وما يثير الفتنة ومن شذ فلا عبرة له. بهذا يبطل قياس وضعنا على ما حدث في تلك الدول، ويبقى ما طالب به من هناك من أمور تتعلق بأمر المعيشة وبعض الفساد الإداري فهذا لو كان هو لوحده في تلك الدول لما ثار الناس وهو أمر يمكن طرحه على المسؤولين عندنا، وهو ما عرضه بعض الناصحين من الدعاة وغيرهم وقد تم معالجة بعض هذه الأمور والزمن والنصح من أبوابه كفيل لحل ما تبقى منها. 2- التنبيه الثاني الذي يجب التنبه له في مثل هذه الظروف أن يكون الشباب على وعي كبير بما يحاك لهذه البلد التي ينظر العالم لها كمعقل حصين للإسلام، وأن هناك أطرافا عدة يتربصون بنا الشر ويعملون بجد لإثارة الفتن واستغلال الفرص لتحقيق مآربهم، وقد كشفت الأحداث ذلك، وما حرب المخدرات، واستغلال المذهبية وإنشاء قنوات متخصصة لحرب المملكة إعلاميا، والقيام بالتفجيرات عنا ببعيد. فهل دار بخلد من قد يفكر بالاستجابة لتلك الأصوات الداعية للتظاهر أنه مطية لهؤلاء الأعداء لتحقيق مآربهم في بلاده. ولا يغتر بالشعارات المرفوعة والمطالب المعلنة، وإذا عدنا لتاريخ أول فتنة حدثت في التاريخ الإسلامي ونتج عنها قتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتمزقت الأمة، وتوقفت الفتوحات، فسنجد أن المحرك الرئيس لهذه الفتنة أعداء من خارج الأمة، وأن وقود هذه الفتنة كان بعض أبناء المسلمين الذين خدعتهم شعارات الأعداء أو كان لهم خلاف شخصي مع بعض الولاة. واقرأ ما جاء في تاريخ الطبري من رواية سيف بن عمرعن نشاط ابن سبأ اليهودي ضمن توجيهاته لأتباعه في أمر الفتنة حيث قال : (( انهضوا في هذا الأمر فحركوه، وابدؤوا بالطعن على أمرائكم واظهروا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر )) ثم يوضح سيف أساليب ابن سبأ وأتباعه في إثارة الفتنة فيقول: ( فبث دعاته وكاتب من كان استَفسَد من الأمصار وكاتبوه، ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم، ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون، فيقرأه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة، وأوسعوا الأرض إذاعة، وهم يريدون غير ما يظهرون، ويسرون غير ما يبدون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء ...) ولو علم أولئك الشباب بما آلت إليه الأمور لما استمعوا لدعاة الفتنة فالعاقل من اتعظ بغيره. 3- التنبيه الثالث أن المشاركة في هذه الأمور ليست مجرد تصرف يتصرفه المسلم كما يتصرف في أمر من أمور دنياه قد ينجح فيه وإن أخفق فيمكن تعويضه في الدنيا،ولكن الأمر هنا أمر دين. فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتةً جاهلية" رواه البخاري. وإني أنصح الشباب بنصيحة عبدالله بن عمر رضي الله عنه لرجل كتب له: اكتب إلي بالعلم كله، فكتب إليه ابن عمر: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافا لسانك عن أعراضهم لازما لأمر جماعتهم فافعل، والسلام. حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين وحسد الحاسدين ، وصلى الله على الهادي البشير. د. عبدالله بن عبدالرحمن الخرعان قسم التاريخ/ جامعة الإمام