من المعروف أن الغنوشي هو الرجل الثاني في الحكومة التونسية السابقة وقد حرص على تسلم السلطة بعد مغادرة الرئيس المخلوع ، وكان المتظاهرون يطالبونه بالرحيل ولكنه استطاع بمساعدة الجيش أن يبقى على رأس الحكومة المؤقتة . وإذا كان حريصاً على تولي رئاسة الحكومة لماذا استقال في هذا الوقت !! قد يقول قائل أنه سئم من المظاهرات وأزعجته صيحات الجماهير فآثر السلامة ، وهذا أمر مستبعد حسب رأيي . وقد يقول آخر ربما أنه يريد أن يترشح لرئاسة الدولة في الإنتخابات القادمة ويريد بهذه الاستقالة أن يكسب ود الشعب . وهو رأي معتبر . ولكن الأقرب والله أعلم أن المظاهرات بدأت تفعل فعلها في الرؤساء والمسؤولين فحينما تجددت المظاهرات في تونس ووقع فيها بعض الضحايا والإصابات خاف الغنوشي أن تتطور لأكثر من ذلك ويقع المزيد من الضحايا فيكون المسؤول الأول عن ذلك. والرجل حسب عمله السابق في دولة الرئيس المخلوع قد كون ثروة لا بأس بها . فتكون المظاهرات بعد سقوط الضحايا والإصابات ترهبه وتقض مضجعة نتيجة لخوفه على أمواله وثروته لا سيما أن كل الرؤساء المعزولين تم تجميد أرصدتهم والتحفظ على أملاكهم مثل بن علي ومبارك والقذافي . والمظاهرات في تونس بدت تتصاعد وتتأزم أكثر وتطالبه بالرحيل فآثر أن ينزل من أول السلم حتى يسلم من الملاحقة والتجميد وخلافه فيكون الغنوشي أول من فهم الدرس جبداً . والمظاهرات السلمية أصبحت سلاحاً فعالاً بيد الجماهير لا سيما بعد توفر آلات التصوير مع كل فرد بواسطة الهواتف النقالة فلا يستطيع أي نظام الحجب وإخفاء الحقائق حتى لو قام بمنع الإعلاميين والمصورين من نقل الحدث . وأحداث ليبيا خير شاهد . فلننظر لحالة الرئيس مبارك والقذافي لو أن كلاً منهما لم يقمع المتظاهرين ولم يتسبب بوقوع ضحايا أو إصابات بل تفاهم مع الثوار على إصلاحات أوتنازل عن السلطة بطريقة لا عنف فيها لأصبح بين شعبه مواطناً عادياً يعيش باسم الرئيس السابق ولم يفتح ملف ثروته وأرصدته وأرصدة عائلته . والمظاهرات اليوم ليست مثلها في السابق ، وما ذهب إليه المراقبون للأحداث هذه الأيام من أن هذه المظاهرات ميزة في شباب اليوم و أن شباب اليوم فعلوا ما عجز عنه السابقون هذا لبس صحيح بالجملة . وذلك لأن المظاهرات بالسابق كانت تقمع قمعاً شديداً وينزل الجيش ويفرق المتظاهرين بالقوة والقمع والزج في السجون وكل ذلك تحت تعتيم إعلامي مكثف وحضر للتصوير فلا يجد المتظاهر في السابق إلا الهرب والاستسلام . أما مظاهرات اليوم فهناك ما يسمى بالجرائم الإنسانية ومجرمي الحرب والمحكمة الدولية والملاحقات القانونية وتجميد الأرصدة والتحفظ على الثروات والمنع من السفر ومغادرة البلاد . مما يجعل المسؤول أو الرئيس مكتوف الأيدي أمام المتظاهرين خوفاً من الانتهاكات والتجاوزات لا سيما مع تعذر التعتيم الإعلامي ووجود آلات التصوير مع كل فرد . حتى المسؤولين العسكريين يرفضون الأوامر في قمع المتظاهرين خوفاً من الملاحقة القانونية.. وهذا هو ما ساعد على نجاح الثورات في تونس ومصر وليبيا وهو الذي حيد الجيش في تك البلدان . وعلى هذا فليس أمام الأنظمة الآن إلا العمل بالحكمة التي تقول : ( الوقاية خير من العلاج ) . والوقاية هنا هي الإصلاحات وتلمس حاجات الشعوب وتلبية مطالبها قدر الإمكان وإبعاد الفاسدين الذين يتسببون في وقوع المظاهرات . الكاتب / صالح علي الضحيان