كثيراً مانسمع أو نقرأ أو نكتب عن الحقوق الواجبة على القضاة وكثيراً مانتعرض لهم بالنقد البناء أحياناً وغير البناء أحيانا أخرى , نحملهم كثيراُ من أسباب التخلف الموجود في الجهاز القضائي وعدم قدرته على الوفاء بمتطلباتنا العصرية وعجزه الظاهر عن السرعة في إنهاء القضايا المعروضة أمامه وعدم تكامله وتفاعله مع التقنيات الحديثة , ليس هذا فقط هو مانذكره في نقدهم الوظيفي بل نتجاوز ذلك حتى نصل إلى أن نتكلم عنهم في المجال الشخصي البحت وذلك بسبب أننا نفترض فيهم غير ماهم عليه فنفترض أنهم يجب أن يمثلوا المجتمع المثالي الذي ينبغي ان يماثل في الذهن مجتمع المدينة الفاضلة فلا نريد منهم أن يكثروا تغيبهم عن الجلسات بعذر أحياناً وبدون عذر أحياناً كثيرة لا نقبل منهم ان يتأخروا عن بداية الدوام الرسمي وأن يخرجوا قبل انتهائه ونريد منهم أن لايكفهروا في وجوه مراجعيهم أو ينهروهم إذا كانوا في مقام أعمار والديهم وان يعطوا الناس المراجعين قدرهم وان يلتزموا بالنظام -ولو كان معارضاً لرغباتهم -حذو القذة بالقذة وأن وأن وأن ولم أجد طلباً يمكن ان يطلب من أي شخص مهما علا مكانه أو هبط , الا واجد من يطلب في (مجالسه الخاصة) من القضاة فعله والالتزام به فيريد منه ان يكون وزيرا ليعدل النظام ومديراً ليأمر الموظفين وكاتب لينظم له هذا الصك وقاضياً ليفصل له بالخصومة وكاتب صادر ووارداً ليقيد له هذه المعاملة يريد ان لايتغيب حتى وان كان له عذراُ او ظرفاً طارئاً, ويريد ان يتبسط له بالحديث ويتجاذب معه الطرف ويتوازع معه النكات ويريده ويريده وإلا فهو ( أي القاضي ) غير مؤهل ولا يعرف الأخلاق ولا يستحق هذا المكان ولذلك سرعان مايبادر بتقديم شكوى ضده إلى وزارة العدل او مجلس القضاء بسبب او بدون سبب كل هذا يحصل بل و أكثر منه بكثير وله أسباب يعرفها البعض ويجهلها الآخرون وبعضها موجود حقيقة وبعضها مفقود حتى من الأذهان . كل هذه الحقوق المطلوبة من القضاة أجدها حاضرة في كل مجلس ونقاش لكني لم اجد حالة واحد منصفة تتحدث عن حقوق القضاة والواجبات لهم وتطالب بها وكأنهم كائن بشري حي يقبل ان يتحمل الالتزامات لكنه لايستحق الواجبات . ولعل من أهم الأسباب وراء ذلك هو أنهم الجنس البشري الذي اعتاد على العمل بصمت لانه يستحي أو انه يرى انه لايليق به أن يطالب بحقوقه والموظف العمومي الوحيد الذي يعاديه مالا يقل عن نصف مراجعيه. كما أن كثيراً منهم قد نأى بنفسه بعيداً عن المجالس العامة والمطالعات الصحفية والمشاركات الإعلامية, فلا يعلم مايقال أو يكتب عنه وهذا سبب آخر وسبب رابع هو عدم وجود من يطالب لهم بحقوقهم لأنهم يظنوا أنهم مجتمع ملائكي لاحاجة لهم ولا ضرورة . ومع كل ذلك فإن المطالع لأحوال القضاة يجد التالي: ا- أنهم يقضون ويفصلون في قضايا أموال تصل قيمتها إلى مئات الملايين أو ألوفها , وأجرة المحامين في قضية منها فقط تتجاوز مرتبات القاضي منذ تعيينه إلى تقاعده أو قل وفاته ,ومع ذلك تجد هذه القضية لاتعدو أن تكون قضية من ضمن مالا يقل عن مائة قضية مقيدة لدى القاضي في مكتبه. ب- أنهم يقومون بمتابعة القضايا منذ ورودها إلى مكاتبهم حتى صدور أحكامها مكتسبة لصفة القطعية القابلة للتنفيذ , كل ذلك يقومون بها أحيانا بأنفسهم وذلك لقلة أعداد الموظفين الموجودين لديهم في مكاتبهم ولقلة خبرة بعض الموظفين, أو قلة تأهيله . ج_ قيام القاضي بدور الخبير والمقوم والباحث مع قيامه بدوره الأساس وهو القضاء والفصل في المنازعات.وذلك بسبب عدم اهتمام وزارة العدل بتوفير عدد من الباحثين والخبراء لدى القضاة وفي مكاتبهم . د_ تنوع القضايا المعروضة لدى القاضي واختلافها, فهو ينظر في بداية الدوام بقضية حقوقية فيها خصومة على مبالغ مالية, وبعدها ينظر في قضية زوجية وبعدها قضية من قضايا الجنايات وبعدها في قضية أنهائية, وليس بين هذه القضايا أي صلة موضوعية أو مكانية أو إجرائية . ه أن بعض القضاة يبتلى في بعض القضايا ببعض الخصوم الذي لايلتزم بالألفاظ المقبولة ولا بالآداب العامة الواجب الالتزام بها في المكتب القضائي أثناء الجلسات او بعدها او قبلها فيتلفظ بألفاظ سوقية أمام القاضي أو احد الموظفين او يتصرف تصرفات تخرج عن نطاق المألوف . و- أن القضاء هو الجهة الوحيدة التي تتعامل مع جميع الطبقات والذي يحملون جميع الثقافات فلديهم المثقفين والجهال, العلماء و العامة , أساتذة الجامعات وغير المتعلمين, ذوي الهيئات وغيرهم . ز-ان مرتباتهم قليلة بالنسبة لعملهم الذي يقومون فيه وقليل بالسبة لنظرائهم ممن يعملون عملاً يقارب عملهم بالصعوبة وان كان لايقاربهم في الوقت والجهد ونوعية المتعاملين كأساتذة الجامعات ونحوهم. لذلك حينما رغب المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل استقطاب عدد من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات اصطدم بالواقع حيث لم يجد أي رغبة من أعضاء هيئة التدريس بممارسة العمل القضائي لعدم وجود أي من المغريات المادية او المعنوية. كل هذا هو بعض مايتعلق بهم داخل مكاتبهم القضائية مما يتسبب لهم بوجود الضغوط النفسية والجسمية في عملهم , مع بقاء حوائجهم خارج عملهم على ما هي عليه كبقية الناس مما هم في طبقتهم وهذا يؤثر تأثيراً سلبياً عليهم ولذلك فإني اعتقد أن الحل الأمثل لمعالجة هذه الإشكالية يكون بمجموعة من الحلول من أهمها . أولاً: زيادة مرتبات القاضي زيادة ملحوظة تتراوح من 80% إلى 100% مما هي عليه الآن من اجل أغنائهم وكف حاجاتهم ,واستطاعتهم على الوفاء بالمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية على من هم في مثل مكانتهم. فمن غير المعقول ان يكون القاضي - الذي يفصل في قضايا كبيرة وكثيرة ويلتزم بالحضور اليومي من بداية الدوام وحتى نهايته ويقابل هذه النوعيات من المراجعين- مثله مثل بعض موظفي الشركات الكبيرة او مثله مثل بعض الموظفين في بعض القطاعات المختلفة, مع ان القاضي اكبر واكثر وأعظم مسؤولية . ثانياً: وضع مجموعة من بدلات مالية مجزية منها على سبيل المثال : 1 زيادة لاتقل عن 25% من الراتب الأساسي للقاضي كبدل سكن.فمن غير المعقول ولا المقبول ان يكون صغار الموظفين في بعض الشركات يستلم بدل سكن يعادل ما يقارب راتب أربعة أشهر ونجد بعض القضاة يشق عليه الحصول على مسكن مستأجر أو مملوك ولو كان بالأقساط. 2 زيادة لاتقل عن 10% من الراتب الأساسي للقاضي كبدل نقل. وهذا البدل أيضا مهم حتى يتميز القاضي عن غيره من بقية الموظفين أو يعطى سيارة يقضي بها حاجاته و تليق بموقعه ومنصبه. 3 زيادة لاتقل عن 30% من الراتب الأساس للقاضي بدل مقابلة جمهور, وهذا البدل مهم بالنسبة لكل من كان عمله يستدعي مقابلة الجمهور مختلف الثقافات. وهو معمول به في بعض القطاعات الخاصة والعامة. ثالثاً: وضع نسب مالية تختلف بحسب عدد القضايا المنتهية والتي اكتسب الحكم فيها القطعية.وهذا البدل يتم به تمييز القاضي الجاد والمنجز عن القاضي غير الجاد ولا المنجز. وإذا1 لم يتم اعتماد هذه الزيادات فاقترح على الإخوة القضاة أن لايخجلوا أو يتورعوا عن أن يطالبوا بها او يطالبوا بمقارنتهم بنظرائهم من أساتذة الجامعات وان كان الوضع يختلف بين القضاة وأساتذة الجامعات اختلافاً جذرياً من عدة امور منها: 1- ان القاضي يلتزم بالدوام اليومي الكامل أي مايقارب ست ساعات يومياً ,بخلاف أستاذ الجامعة الذي لايرتبط بالجامعة سوى في أوقات المحاضرات والساعات المكتبية التي لاتتجاوزعادة أربع عشرة ساعة في الاسبوع. 2- أن القاضي ليس له إجازة بموجب النظام سوى شهر واحد بينما أستاذ الجامعة نص النظام على ان له إجازة شهرين. 3- أن أستاذ الجامعة يتعامل مع اناس متعلمين وطلبة علم ومثقفين بينما القضاة يتعاملون مع جميع شرائح المجتمع متعلمهم وجاهلهم . 4- ان النظام أتاح فرصة التعاقد مع أي عدد من أساتذة الجامعات تحتاج اليه الجامعة لكنه لم يتح فعل ذلك مع القضاة, رابعاً: توفير جهاز إداري متكامل لجميع مكاتب القضاة بما في ذلك المسميات الاتيه: 1 مدير مكتب لايقل مؤهله عن الجامعة مع خبرة إدارية لاتقل عن( 8 )سنوات. 2 عدد لايقل عن سبعة من كتاب الضبط مؤهلين تأهيلاً لاتقل شرعياً جامعياً. 3 عدد (2 )موظفين صادر ووارد. 4 عدد (1 )مراسل . 5 باحث خاص لايقل عن درجة الماجستير في الفقه أو الأنظمة. خامساً تقليل عدد القضايا المحالة للقضاة على ان لاتتجاوز قضيتين من القضايا غير الانهائية وقضية انهائية واحدة. سادساً: تكثيف عدد أهل الخبرة في جميع المحاكم بما لايقل عن ضعف العدد الموجود وذلك لأن عدد أهل الخبرة في جميع المحاكم اقل بكثير مما تحتاجه هذه المحاكم مما استدعى تأخر بعض القضايا لديهم أكثر من ستة أشهر . أن ما نطالب لهم ليس بكثير عليهم خاصة حينما نعلم أنهم قد تفرغوا لهذا العمل وتجنبوا كثيراً من أسباب طلب الرزق من اجل هذا العمل وكما نص الفقهاء على انه لابد من تخصيص رزق من بيت مال المسلمين يغنيهم عن النظر لما في أيدي الناس وحتى لاتتعطل مصالح المسلمين ولا تضيع حقوقهم . المغني(14/910) كما أننا نعلم انه قد تم تخصيص عدة مليارات تجاوزت السبعة من اجل تطوير مرفق القضاء وأظن أن تطوير القضاة والوفاء باحتياجاتهم من أهم الوسائل المعينة على تطوير القضاة . ولذلك فإني أرجو من جميع من يطلع على هذا المقال أن لايتعجب من هذه المطالب قبل أن يفكر ملياً في هذه الأمور ويستعرض في ذهنه الأعمال المناطة بإخوتنا القضاة وما أطالب به هو: أقل ما يجب توفيرها لهم خاصة وأنهم يمثلون سلطة مستقلة من السلطات الثلاث في الدولة الحديثة لايقلون أهمية عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. هذا مانطلبه لهم من حقوق أما ماعليهم من واجبات فسنتعرض لها في مقال آخر إن شاء الله. أ.د/عبد الكريم بن يوسف بن عبد الكريم الخضر أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة جامعة القصيم