شيء من الارتباك والحرج يتملك بعض المتعبرين من مشايخ الأزهر حال بروزهم في القنوات الفضائية لمناقشة الحالة الشيعية عموماً ومصر خصوصاً لا سيما ما عُرف بالمدّ الشيعي داخل مصر والتباسه سياسياً بخلاياً ذات صلة بحزب الله أفضى هذا الحرج والتحفظ إلى انشقاقات داخل الصوت الأزهري الوقور بل ومناظرات حّادة بين أطرافه ما بين مجّرمِ ومبرئٍ للطائفة الشيعية بل المذهب الشيعي نفسه وحديثي سيكون عن التبرئة التي يلوذ بها بعض كبار الأزهر وهي تبرئة ليست علمية بل تهويمية وتعويمية وحذرة أشد الحذر من الاقتراب من النص السني أو الشيعي في إدارة هذه التجاذبات ، فالمذهب الشيعي بأخطائه يحّمل الأزهر – بوصفه توفيقاً – مسؤولية التوفيق بين المشتركات بين شتى المذاهب والتجليات الإسلامية وبقي الأزهر محافظاً على شخصيته التوفيقية حتى برزت الظاهرة الشيعية لابوصفها خطاً بل ندّاً واضح الندية عقدياً وثقافياً ورقما بشرياً. وأزمة الأزهر في جذورها أنه نادى لنفسه بالقيادة الدينية المطلقة للعالم الإسلامي فاضطر لاستيعاب التعددية إلى التكيف مع متناقضاته فهو صوفي وسلفي في الآن ذاته ما أرغمه على التكتم على هذا الانفصام الصارخ داخل شخصيته وأنا هنا لا أعمم بل أذكر كمّاً غير قليل من قياداته المعتبرة. واستمر الحال حتى نالت الدول الإسلامية استقلالها واكتفت كل دولة بعلمائها وتوحّد السعودية بضم الحرمين الشريفين فنالت الثقل الأهم وأسست لهيئة كبار العلماء التي دخلت في اجتهادات خالفت فيها الأزهر على مستويات شتى ما قلل من مطلقية وقيادته الربانية للأمة وساهم أيضاً انسجام قيادته بخط دولة صرح رئيس وزرائها علناً بأنها (علمانية) وهذا أضاف انفصاماً جديداً وحرجاً بالغاً وضع الأزهر فهو مطالبٌ بالدفاع عن أخطاء الدولة المصرية وأخطاء غلاة الصوفية والشيعة ليبقى على طليعته وقياديته حتى لو كلفه الأمر بعضهم إلى غض النظر بل المراوغة والتورية بل أن الأزهر الموصوف بالعقلانية والمدنية والعقلانية بات محرجا أمامهما فهما متصادمتان مع الخرافات التي يسوف لها بعض مشايخه لأنها جزء من شخصيته كالتمسح والتبرك والحلف بالنبي ويسوء بعضهم ترك الحلف بالنبي والاكتفاء بالحلف بالله استجابةً لفتوى سلفية تهدد مكانه الأزهر المرتبطة ببقاء الخرافة والحلف بالنبي. يظهر القلق على نحو جلىّ عند مجموعة من مشيخة الأزهر إذ قبل أن يدفعوا عن أخطاء الشيعة و البدعة يبادرون بالتذكير بمكانة الأزهر بل إنّ أحد البارزين قال بأن الأزهر وحده من يمثل الوسطية غير أن هذه التزكية باتت مؤشراً لا على وصف بل على خوف من أنه لم يعد يمثل الوسطية وأن الوسطية هي حالة اعتدال وليست مرتبطة بجامع أو جامعة أو مشيخة وأن هذا الربط بات مخالفًا للقاعدة الطبيعية التي تمثلها مقولة الإمام علي إمام الاعتدال : (يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال). إن قلق بعض الأزهريين من المد السلفي المدعوم بالحجج النصوصية الحرفية أكثر من قلقهم من المد الشيعي ويبدو هذا في حكمهم بالانحراف على المعين (الفاعل) والفعل السلفي وبالانحراف على الفعل الشيعي وليس المعين دون أن يقع في ذكر أسم أحدٍ منهم فيسقط وينحرف عن توفيقية الأزهر وكأنها نص لا يُحاد عنه وخلفية هذا أن السلفية هي من بادر مبكراً بالتصدي والتصادم مع أخطاء علماء الشيعة كالتفكير وسب بعضهم الرموز الإسلامية والطعن في أعراض الطاهرات من أمهات المؤمنين وصارت تلك مواجهة محسوبة للسلفين دون غيرهم ومن آمن بما يقولون فهو منهم وليسوا منه وأنهم أتوا بالناصع من الحقيقة في حين رأى البعض أن هذا موقف مبالغ فيه ومعركة مجانية لا تسند على واقع عيني وبات الاختلاف قائما لا بين وجهات نظر بل بين عالم وأعلم أو واعٍ ومغيّب أوصامد ومهزوز وقل ما تشاء من التضادات إلاّ أن يكون الخلاف خلافاً في موقف فقهي. إن الأزهر معزول عن أمّته للاعتبارات الآنفة وأمعن في عزلته أنه لا يدري أنه معزول ويظن أنه المؤثر الأقوى في وجدان ووعي الأمة بتسهيلاته في الفتاوى العبادية والروحية التي ارتدت عليه سلباً في زمن التعددية في التلقي ومصادر التأثير الفضائي والثقافي وسهولة بلوغ المعلومة والانخراط في مجتمعات تحمل نمطاً غير أزهري فضلاً عن ازدياد معدلات التعلم في مصر وغيرها رفع من مستوى الإدراك ومركزية الإنسان ما لا تنسجم معه فتوى أزهري بشد الرحال إلى ضريح السيد البدوي لنيل السعادة والفرج . إن الأزهر الذي يطلب بالعصرنة هو أول المتورطين بها إذ العصرنة تقتضي ألا أكون كما كان أبي والأزهر هو أبو الأمة كما يصنفه بعض المرتبطين به مصيرياً. إن موقف الأزهر من صراع السلفية والشيعة جعله يتخذ موقعاً وسطاً لأن الميل لأحدهما سيجعله تابعاً له وهو الذي لم يتعود إلاّ على المبادرة والصدارة في كل قضية وحسم .. وظني أن الأزهر آسفٌ غاية الأسف أنه لم يقد الأمة بنفسه مبكراً للدفاع عن الصحابة والقرآن ليكون له شرف المواجهة ومن يلتحق بها يكون في تبعيته ولذا اضطر إلى هذا الموقف الوسطي المفتعل المحرج الذي لن يطول إلاّ بالحسم مع اشتداد الجدل السني الشيعي في كل مكان والتي لابد أن تسفر عن نتيجة ستوقع الأزهر في إحراج جديد . وانتهي إلى أن المد السلفي في الأزهر نفسه اتخذ موقفاً قوياً من أخطاء الشيعة ولم يكن بحاجة إلى استيراد فتاوى من ما وراء البحر الأحمر حتى يكون سنّياً صادقاً .. فالجيل الجديد من العمائم الأزهرية كفيل بالمحافظة على شخصية الأزهر وفك ارتباطه بالبدع ووهم القيادة المطلقة لروحانيات المسلمين. محمد بن عبدالله الهويمل [email protected]