السلطة الاجتماعية اقوى من الدين , امكن من الدولة , إنها السلطة الاجتماعية , تأسرك تقيدك تستعبدك تقضي على استقلاليتك , في البيت في الشارع في بيئة العمل , تخترق السلطة الاجتماعية بكل منتجاتها ومخرجاتها , تخترق الدين وتستولي عليه , لتصبح ضمن لواصق الدين , ثم تتحول مع الممناعة والدفاع عنها إلى محكم الدين , ومع ثالوث السياسة والجهل والمصالح , تصبح السلطة الاجتماعية هي الدين بعينه ورسمه واسمه وروحه وجوهره , وقتئذ يستحيل الفصل بين العادات والتقاليد الاجتماعية والارث المعرفي وصحيح الدين , مهما كان الدين محفوظاً ونصه محكم , فاستبدال الدين الصحيح بالعوائد الموروثه ,هو تحريف للدين وتغيير في مساره , وهذا ماتقوم به السلطة الاجتماعية . يتم خضوع الفرد للمجتمع بنوع من الآلية والعفوية التي لا يكاد يشعر الأفراد خلالها بذلك الضغط الممارس عليهم من قبل المجتمع. غير أن هذه الواجبات الاجتماعية تتحول إلى عادات محدودة وذات طابع سكوني ومنغلق، فلدى الأفراد مشاعر عديدة تعبر عن صوت المجتمع الذي يحيى داخل ذواتهم، ويمارس عليهم نوعا من القهر والإكراه الخفي. إن المجتمع بهذا المعنى ، هو جزء لا يتجزأ من الذوات الفردية التي لا تستطيع أبدا الانفصال عنه؛ فهو الذي بث فيها تلك المشاعر والمعايير التي تحدد لها واجباتها الأخلاقية، أي ما ينبغي عليها فعله وما يجب تجنبه. فالضمير الأخلاقي إذن هو تعبير عن صوت المجتمع، لاصوت الدين , وهو يتردد داخل الذات الفردية بلغة الآمر والناهي , فالأديان مثل الماء، تأخذ شكل ولون الإناء الذي توجد فيه . إنك في فضاء سلطة المجتمع تمارس الدين بحسب رؤية المجتمع , لابحسب معرفتك وعلمك وفقهك وفهمك للدين الصحيح , يصبح الدين قوالب اجتماعية , اعتادها الناس فأصبحت ديناً سائداً ,وإذا كان الفرد يخضع لمجتمعه، فليس عبثا إنما بسبب القهر الاجتماعي، المتمثل في أنواع من الضغوط، والعقوبات والروادع، التي يمارسها المجتمع تجاه الفرد، وبقدر ضعف إرادة الفرد في مقاومة تلك الضغوط، وبقدر قوة تلك الضغوط، سيكون مدى خضوع الفرد واستسلامه لمجتمعه. لهذا نجد المجتمعات، التي تتسم بطابع العسكرية، والتي تكثر فيها الروادع، وتشتد العقوبات، تمتلك قدرة قهرية أكبر على الأفراد، بينما المجتمعات المائعة لا تملك تلك القدرة. ويمتلك الفرد هامش حرية اكبر في المجتمعات التي تثق بنفسها اكثر . إن ضغوط المجتمع هي عمليات مزيجة من التربية وتقليد الآباء،في شأننا الحالي الإسلامي خصوصا. إذ أنّه بالرغم من التأكيد الواضح و المتكرر ضمن السّياق الديني العقائدي على أنّ علاقة الفرد بالله علاقة خاصة جدا و ذات طبيعة حميمية، علاقة بين الفرد و ربّه مباشرة و دون واسطة، نجد على المستوى الاجتماعي آنّ هناك ضمورا إلى حدّ الغياب لحضور الفرد مقابل التأكيد على أهمّية الجماعة (الأسرة، الأمة، جماعة المسجد زملاء العمل والدراسة) ومهما اختلفت التصورات لجدلية العلاقة بين الانسان والمجتمع لكنها تتفق في اخضاع او تكييف الفرد مع النظام الاجتماعي، ورغم ان الفرد يخسر جزءا من حرياته نتيجة خضوعه للنظام الا ان ذلك يعد عاملا اساسيا لاستقرار المجتمع والفرد ايضا ,شريطة ان لايتحول المجتمع الى مارد قمعي يكبت المجالات الابداعية للفرد وهذا لن يتم الا باسلوب مرن للتطبيع الاجتماعي وعدالة في الضبط الاجتماعي وتكييف مؤسسي للنظام الاجتماعي. لذلك كان لزاماً على الفرد الراشد عقلاً أن يتقن المفاصلة بين كونه عضواً فاعلاً ومتعاوناً في مجتمعه وبين خضوعه واستلاب شخصيته بحيث لايتحول إلى رقم تعدادي ضمن الوف الفئام التي تتمحور حول التساكت عن اخطاء المكون الاجتماعي ولا الاصابة بالعدوى ضمن امراض المجتمع . إن السلطة الاجتماعية كائن هلامي , لانستطيع الامساك به أو رؤيته , لكننا نحس به حتى في مخارج حروفنا وتركيبة الفاظنا وشكل هندامنا , وهل يستطيع الفرد النجاة من هذه السلطة إلا بالاعتزال الشعوري أو الجسدي وهما امران مكلفان , لا يقوى عليهما ولايملكهما كل احد . عبدالعزيز السويد