سمو الأمير : المجدُ عوفيَ إذ عوفيتَ والكرمُ .. وزالَ عنك َإلى أعدائك َالألمُ صحَّت بصحَّتك الغاراتُ وابتهجت .. بها المكارمُ وانهلّت بها الديمُ وما أخصُّك في برء بتهنئةٍ .. إذا سلمتَ فكلُّ الناسِِ قد سلِمُوا بشراك أيها الأمير : فقد مات أعدائك بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين الفجيعة. بشراك أيها الأمير : فقد تقطعت أوصال عداك وبقيت أنت - تحرسك عناية الله ودعاء المؤمنين في ظلمة الليل - أصلب أعوداً وأشد مراساً . من منا يصدق أن شخصاً تتقطع أوصاله ويبقى الذي يصافحة سالماً غانماً لم يصبه من أذى سوى ما أراد الله أن يرفعه بها ، من منا يصدق ذلك لولا عناية الله وحراسته لعباده الصالحين . فبشراك أيها الأمير حفظ الله لك . وبعد فمن أهم ما يجب تسجيله من خلال هذا الحدث الجلل الأمور التالية : أولاً : من دون شك أن ما جرى لسمو الأمير كان مخططاً له منذ زمن ليس باليسير . بل لا أشك أنه كان حلماً كبيراً يراود رؤوس الضلال منهم ، لكن السؤال الذي لا بد له من جواب هو : لماذا استهدف الأمير وحده دون سواه ؟ هل لأجل سهولة الوصول إليه ؟ لا أعتقد ذلك لأن ولاة الأمر حفظهم الله جميعهم يسيرون على سياسة الباب المفتوح بدء من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله حتى أصغر مسؤول ، بل إن خادم الحرمين متعنا الله به كان ينزل إلى الناس ويختلط بهم ، وكلنا يتذكر كيف يسير بين الناس ويتحدث مع الرجال والنساء والأطفال في الأسواق والمجمعات التجارية ، ألا تذكرون يوم كان حفظه الله يشاهد الناس ذات مرة وهم يحتفلون بالعيد في الجنوب فاستهواه المنظر ونزل إلى الساحة وأمسك بيد أحدهم يشاطره فرحه دون أن يسبق ذلك أي بروتوكول أمني ! إذن ليس لأجل سهولة الوصول إليه تم استهدافه ، فيبقى السؤال قائماً : لماذا خص سمو الأمير بهذا الاستهداف ؟ الذي لا أشك لحظة واحدة أن السبب الرئيس في هذا الاستهداف هي السياسة الفاعلة التي سلكها سمو الأمير في التعاطي مع ظاهرة الإرهاب ، والتي أدت إلى تفكيك جذوره وخلخلت بينته التحتية ، ولكم أن تتأملوا العلاقة بين ما أعلن عنه قبل أيام من القبض على أربعين إرهابياً وبين هذه الحادثة ، وهذا يؤكد أن الضربات الموجعة التي توجهها وزارة الداخلية ممثلة برجل المرحلة وأمير الحكمة سمو الأمير نايف وسمو الأمير محمد أنها آتت أكلها واختصرت الكثير من المراحل الزمنية في القضاء على مشكلة الإرهاب . الثانية : مرة بعد أخرى يؤكد لنا هؤلاء الأشرار فساد طويتهم وخبث مذهبهم وشدة عداوتهم للمؤمنين ، وأن الهدف ليس كما يحاولون إقناع السذج والجهلة والبسطاء به من الجهاد ومدافعة الكفار ، وإنما الهدف الحقيقي هو إزهاق النفوس المؤمنة ، وسفك الدم الحرام ونشر الفوضى وتقويض بناء هذا البلد الشامخ ممثلاً بأفراد هذه الأسرة الكريمة لكن يأبى الله . ومما يؤكد انسلاخ هؤلاء الأرجاس من كل قيمة هو تفاصيل هذا الحادث ، فسمو الأمير حفظه الله رغم أعباءه الجسام فتح باب بيته لهذا المجرم واستقبله في منزله الخاص ، وأمر حراسه أن لا يذعروه بالتفتيش والمتابعة، وإنما استقبله هكذا بكل طيبة وزكاء ، ومع ذلك كله فلم يقدر الغادر هذا الموقف، وانسلخ حتى من شيم العرب ومكارمهم التي تأبى الغدر خفية ، وفعل فعلته وهو من المجرمين ، ولكن عناية الله وحفظه لأوليائه حالت دون تحقيق ما يريد هذا الباغي ، فاللهم لك الحمد أولا وآخراً . الثالثة : رغم فداحة هذا المصاب وخطورته إلا أننا نحسب أن فيه خيراً عظيماً من عدة نواحي : منها : أن يتفطن سمو الأمير - وهو ملهم الفطناء - إلى ضرورة الاحتياط الشخصي عند مقابلة هؤلاء الأشرار ، وأنه مهما بدرت منهم حسن النية فإن السلامة الشخصية لا يجوز تجاوزها بحال ، وليعلم سمو الأمير أنه إن كان قلبه يملؤه البياض فإن قلوب أعدائه ما زالت تتوشح بالسواد . ومنها: أن هذا الحادث بكل تفاصيله يؤكد على أمر مهم , وهو أن هؤلاء الضلال مخذولون وخاسرون لا محالة بإذن الله ، وخذلانهم يتجلى لنا في أمرين : أولهما: اختيارهم لهذه الشخصية الفذة التي زرع حبها في قلوب الناس كلهم وله آيادي بيضاء لايمكن غمطها . وثانيهما : أنهم فعلوا هذه الجريمة في شهر تعظمه النفوس المؤمنة ، وهو شهر رمضان المبارك فحق عليهم لذلك مقت الناس وغضبهم . وهذه أمارة بينة - والحمدلله - على خذلان الله لهم ، وأنهم من سفال إلى سفال . الرابعة : لا أتفق مع بعض المحللين الذي يقولون بأن هذه العملة تعد تطوراً نوعياً في تكتيك الجماعات الإرهابية في المملكة ، بل هي تدل دلالة ظاهرة على أن هذه العملية هي أشبه بحركة المذبوح بعد ذبحه ، فهؤلاء الخفافيش لما رأوا أن الأمر ضاق عليهم من كل جهة رموا بآخر سلحتهم وهي استهداف الشخصيات الأمينة والفاعلة في القضاء على الإرهاب ، وهذا لا يعني انقضاء شرهم ونهاية مكرهم ، لكنه يؤكد في ذات الوقت كما قلنا على الفاعلية الشديدة للسياسة التي تتبناها وزارة الداخلية ممثلة بسمو الأمير نايف وسمو الأمير محمد . الخامسة : يجب على جميع النخب والقيادات الثقافية والشرعية والفكرية إدانة هذا الحدث بكل تفاصيله إدانة مطلقة وتجريم فاعله ، ومواصلة نشر الوعي الشرعي بخطورة ثقافة الإرهاب ، والالتحام صفاً واحدا خلف هذه الأسرة الكريمة ، ولنقل بصوت واحد إن نحورنا دون نحوركم فداء ، وإن مصاب فرد منكم لهو مصاب لنا جميعاً ، فدتكم النفوس والأولاد والأموال، ووالله لن يصل هؤلاء الأرجاس إلى أحد منكم وفينا عين تطرف ، ولا أرانا الله إلا يوم عزكم ورفعتكم . ولنعلم جميعاً أن هذا التلاحم بين القيادة والشعب لهو أكثر ما يغيض هؤلاء الأشرار ، ويقتلهم بغيضهم ، بإذن الله تعالى . السادسة : مع اتفاق كل العقلاء على تجريم هذا العمل وخطورته إلا أنه يجب على النخب المثقفة الموجهة أن لا تستغل هذا الحديث بتوظيفه في إدانة تيارات محددة . أو أن تستغله لتصفية حساباتها مع المناشط الشرعية كحلق تحفيظ القرآن الكريم والجمعيات الخيرية ، ونحو ذلك ، بل يجب علينا أن جميعاً أن نستمد مواقفنا من الثوابت الشرعية حتى في أحلك الأحداث كهذا الحدث ، وأن نحذوا حذوا هذه الأسرة المالكة الكريمة في التوازن الحكيم في المواقف، وعدم الجنوح إلى ردود الأفعال غير المتوازنة والمنضبطة. ختاماً : إذا كان موت ذلك الغلام - كما في قصة اصحاب الأخدود - سبباً في حياة قومه إذ آمنوا كلهم فإن حادثة الاعتداء على سمو الأمير بهذه الطريقة وفي هذا الشهر الكريم لهي تذكير لكل الناس بعداوة هؤلاء الإرهابيين للمؤمنين، وبيان خطرهم على الناس جميعاً ، وإظهار فساد فكرهم مذهبهم ، كما هو تحذير لأولئك الصامتين بأن يتكلموا وللنائمين بأن يستيقظوا ,وأن يقولوا كلمة الحق لا تأخذهم فيها لومة لائم . . هذا والله أسأل أن يحفظ لنا إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده ، وسمو النائب الثاني ، وسمو الأمير محمد وجميع أفراد هذه الأسرة الكريمة أن يحفظهم جميعا من كيد الكائدين ومكر المجرمين ,وأن يكبت هؤلاء الأشرار وأن يردهم على أعقابهم خاسئين . والله أكبر ، وعلى الباغي تدور الدائر . محمد بن عبدالعزيز اباالخيل كاتب سعودي [email protected] القصيم بريده