في أحد محاضرات الكيمياء, سأل الدكتور فجأة أحد الطلاب: كم معدل استهلاك سيارتك من الوقود؟, تلعثم الطالب ولم يحر جواباً, فأعاد الدكتور السؤال على جميع الحضور –وكان عددهم يزيد على الثلاثين- فخيم الصمت على القاعة, مرة أخرى سأل باستنكار: ألا يعرف أحدكم كم يكلفه مشي \"كيلومتر\" بالسيارة من الريالات؟, رد أحدهم: \"ماتفرق, الخير واجد\", عندها زم الدكتور شفتيه بامتعاض من الرد, وبين أن الخير مهما كثر لابد أن تكون عاقبته الزوال مادام يستهلك بهذا الشكل. والواقع أن حساب معدل الاستهلاك لا يحتاج إلى خبير في الرياضيات؛ فأدنى الناس معرفة بالحساب يستطيع قسمة عدد ليترات الوقود أو قيمتها بالريالات على عدد الكيلوات التي تقطعها السيارة بهذا الوقود؛ فينتج من ذلك معدل الاستهلاك باللتر أو الريال لكل كيلو متر, وإذا ما أراد أن يستفيد من هذا الحساب فيمكنه بعد ذلك أن يقارن هذا الناتج بالرقم المدون في دليل السيارة ليكتشف أي خلل في استهلاك السيارة للوقود قبل أن يتهم عامل المحطة بسرقته أو يتهم جودة الوقود. وكثيراً ما نرى من يوزع تهم اللصوصية بالمجان دون بينة سوى ظنون ليست تدل إلا على سوء أفعال, والمجتمع ليس خالياً من اللصوص -بلاشك-, ولكنه بكل تأكيد ليس مجتمع لصوص, وإذا كان إهمال المال مجرئاً على سرقته أو سبباً في ضياعه؛ فإن قلة وعي الإنسان تجرئ عليه اللصوص, وتجعل ماله عرضة للضياع. وإذا ما أردنا أن نستنسخ المثال السابق على حالنا مع نوع آخر من الطاقة؛ وهو الطاقة الكهربائية فسألنا كثيراً من الناس عن معدل استهلاكهم السنوي من الطاقة الكهربائية, وعن مقدار ما يكلفهم ذلك من الريالات لوجدنا أن ذلك لم يكن يوماً من اهتماماتهم فضلاً عن أن يكون من أولوياتهم, والحقيقة أن فاتورة الكهرباء صارت تشكل هاجساً لكثير المواطنين بل ربما نظروا إليها بكثير من الريبة والتوجس, وأثاروا الكثير من الاستفهامات حول نزاهتها دون أن يجدوا طريقة تشفي توجساتهم من هذه الفاتورة التي تأتي مثقلة في آخر الشهر بأرقام لا يدرون كيف وصلت إلى هذا الحد, فهل من طريقة تمكننا من التأكد من هذه الأرقام وبالتالي محاسبة المسؤول عنها؟ هذا السؤال يجرنا إلى صديقنا العداد الذي طالما نظرنا إليه بكثير من الازدراء؛ فأول خطوة في طريق التحقق تبدأ منه. فعداد الكهرباء من حيث المبدأ جهاز بسيط تقوم فكرته على قطعة معدنية دوارة تتناسب سرعة دورانها مع مقدار التيار المستهلك, ويترجم العداد هذا الدوران إلى وحدة قياس الطاقة (كيلو وات ساعة)؛ التي تحولها الفاتورة الشهرية إلى ريالات وفق معامل ضرب موضح بحسب نظام الشرائح. وبالنظر إلى وظيفة العداد نجد أنه يعطينا رقماً مهماً يساعد المهتم منا في مراقبة استهلاكه وحساب المعدل؛ فعلى سبيل المثال: لو أردنا رقما تقريبياً لما تم إنفاقه على الكهرباء من يوم أنشئ المنزل إلى الآن, يمكننا ببساطة أخذ القراءة الحالية على العداد وضربها ب (0.05), فينتج بالريالات مجموع الإنفاق الكلي -التقريبي-, ولو أردنا حساب المعدل السنوي نقسم على عدد السنوات منذ تركيب العداد, وللشهري نقسم على عدد الأشهر وهكذا, وهذا الأسلوب رغم عدم دقته لأنه لا يأخذ في الحساب الشرائح الأعلى إلا أنه يمكن أن يعطي رقما تقريبياً يقرب المقدار من تصوراتنا. وبمساعدة صديقنا العداد, يمكننا التنبؤ بمبلغ تقريبي للفاتورة قبل صدورها بأيام؛ وذلك من خلال أخذ قراءة أسبوعين فتؤخذ القراءة هذا اليوم على سبيل المثال, وفي نفس الوقت بعد أسبوعين تؤخذ القراءة مرة أخرى, ويقسم الفرق بينهما على عدد الأيام فينتج الاستهلاك اليومي لهذا الشهر, ويضرب بعدد أيام الشهر فينتج الاستهلاك الشهري التقريبي ويمكن بعد ذلك الضرب بسعر الكهرباء بحسب نظام الشرائح (0.05 للاستهلاك أقل من 2000 كيلووات س, 0.1 للاستهلاك من 2000 إلى 4000 كيلووات س, ... الخ). وهذه الطريقة تساعد من يشك بأن فاتورته تحمّل أرقاماً غير واقعية على التحقق من صحة هذه الأرقام, أو تعطيه مستنداً قوياً للشكوى على مزود الخدمة وإلزامه بالتعويض, وتساعد أيضاً من يهتم بمراقبة استهلاكه على مدار السنة على ملاحظة المتغيرات التي تؤثر تأثيراً مباشراً على كمية استهلاكه وبالتالي أخذ التدابير التي تحد من تأثيرها. وهذه الحسابات رغم سذاجتها, إلا أن المستهلك الواعي بحاجتها والعداد الذي دفعنا ثمن تركيبه يحسن بنا أن نستغله لصالحنا, ولا عيب في التدبير والمتابعة, فالتدبير من شيم العقلاء كما أن التبذير من شيم السفهاء سيما إذا كان ما نبذره ثروة ناضبة من مواردنا الطبيعية, وأموالاً نحن أحوج بها من غيرنا. وإذا كانت القراءة والمتابعة هي أولى الخطوات في طريق الوعي, فإن فائدتها تصبح معدومة مالم تكن قراراتنا مبنية على قراءاتنا ومالم تساهم في تنمية شعورنا بمقدار ما نستهلك وما ننفق وهل استفادتنا توازي إنفاقنا, وبصيغة أخرى: هل نستهلك كل ما ندفع ثمنه من الطاقة؟ وهذا يضعنا أمام موضوعنا القادم حول مدى كفاءة استخدامنا للكهرباء وكيف يمكننا زيادة الكفاءة؛ مما يخفض نفقاتنا دون الحاجة إلى أن يؤثر ذلك على رفاهيتنا. عبد الله عبد المحسن الضويان مهندس كهربائي [email protected]