لا تبدو هاتان العبارتان غريبتان على مسامع الكثير منا، فهما توحيان بعمق ديني تشكل من خلال الخطابات الدينية التي ترسم الجنة، وتركز تركيزا شديدا على ( الحور العين ) جائزة كبرى لمن يدخل الجنة، ويسعى للحصول عليها في الدنيا بعمل الصالحات واجتاب المنكرات. ولكنها توحي من طرف خفي إلى منظومة اجتماعية، تكشف عن عدم الرضا وعدم القناعة وحالة التذمر من واقع تكوين البيوت الأسرية ( الزواج ). سواءً في ذلك الرجال والنساء !. فالرجال ما تفتأ ألسنتهم تلوك في النساء أثناء اجتماعاتهم في أماكن العمل أو الاستراحات أو المقاهي، مبدين عدم الرضا من تصرفاتهن. أما النساء فحين تضيق بهنّ السُبل من رجالهن، فإنهنّ يجدن متسعا من الوقت في الأحاديث ( والثرثرة ) عبر وسائل الاتصال المختلفة ، أو عبر أشرطة الشاشات الفضائية الذي أصبح ملجأ لهن في الكشف عن أحزانهن وهمومهن الأسرية، بعيدا عن الرقابة الذاتية والرقابة الاجتماعية من خلال الاسم المستعار !. شيء من الدهشة يعتري المتأمل ، ولعله يذكرنا بالقول الشعبي الصادر من شاب تجاه أمه التي خطبت له بنتا على مزاجها، فأثنت عليها وفق منظومة أفكارها ورؤاها فقال لها : ( كشفت البدي وتركت المكينة )، فما البدي ؟ وما المكينة ؟ . لا شك أنّ هذه الجملة ستترك للتأويل مساحة، بحسب رغبات الرجل في زوجة المستقبل فلكلٍ (( مكينته التي يبحث عنها ))، وبحسب أحلام المرأة في فارسها المرتقب ! إذن لا بدّ من وقفة يتأمل فيها الإنسان علاقاته بمن حوله من الناس، بل ربما أقرب الناس!، ويطرح على نفسه تساؤلاً : كيف بنيت علاقتي معهم ؟. سؤال يلح في زمن تبدلت فيه الأشياء، وتغيرت الأفكار، وتأثرت المفاهيم بألوان شتى من المصادر، ربما يكون حصرها أشبه بالمستحيل!. إذ كان آباؤنا وأجدادنا يبنون علاقاتهم بحثا عن من ( يكمل ) جوانب النقص فيهم، فالرجل منهم يختار شريكة حياته لتقوم بأعمال البيت ، بينما هو يسعى في أرض الله طلبا للرزق، كان يلج إلى بيته محملا بأعباء العمل والسوق، فيجد البيت جنة جميلة تحفها الروائح من كل جانب، فيرمي نفسه في أحضان ذلك الجمال مبتعدا بروحه الوالهة إلى عالم بهي. والمرأة في الطرف الآخر تشعر أن زوجها قادم إلى البيت، فتركن إلى دارها لتخرج كأنها ليست هي التي ودعها صباحاً، وتلقي عبء أبنائها وكلف العمل في بيتها وراء ظهرها، شوقا إلى لقاء حبيبها. هذه صورة مثالية لواقع ربما كان كذلك. إذ كانت العلاقة تلك – في اعتقادي - قائمة على (التكامل) فكلاهما بحاجة ماسة إلى الآخر. لكن الصورة الأخرى في هذا الزمان تبدو أكثر بعدا عن مفهوم ( التكامل) الذي أعني، أصبح الرجل والمرأة كلاهما يبحث عن شريك حياته الذي (يتفاهم ) معه ويتقاطع وإياه في أمور الحياة، أصبح الرجل لا يبحث عمن يكمله بقدر من يتفاهم معه، وأصبحت المرأة تريد من يتقاطع معها بعيدا عمن يكملها، أصبحا يبحثان عن أعماق داخلية مبنية على المشاعر والأحاسيس، فكلهما يريد من الآخر أن يقرأ مشاعره دون كلام وأن يترجم نظراته دون عبارة. إنه تحول في تركيبة البحث عن الآخر / الشريك. لكن لماذا هذا التحول في تركيب العلاقات ؟. في تصوري أن الحياة بفلسفتها وأنماط تفكيرها تغيرت، وأصبح قول الشاعر القديم : كلانا غنيٌ عن أخيه حياته ... . حاضراً في تكوين العلاقات الاجتماعية بشكل عام. أصبح الرجل متمكناً من أعمال البيت وإعداد ما ينقصه منها ، وإن لم يستطع فسيجد مخرجا لا محالة بكثرة المطاعم وأماكن بيع الأغذية. وأصبحت المرأة / العاملة بالذات غنية عن رجل ينغص عليها حياتها!، وربما يزيدها هما على هم، ومن هنا نشأت فكرة (( التفاهم )) وابتعدت فكرة (( التكامل ))، ويبدو الأثر الغربي واضحا في ذلك، فالغربيون يبنون حياتهم على مفهوم التفاهم بين جميع الشركاء، ولك أن تنظر إلى واقع لاعبي الرياضة ومشهور عالم الفن والتمثيل، فتجد أن علاقاتهم بنيت على التفاهم، فلاعب كرة مضرب يتزوج لاعبة كرة مضرب ، وفنان تشكيلي يقترن بعارضة أزياء ...وهكذا. وربما – ونحن لا نشعر – انتقل إلينا هذا المفهوم من خلال قنوات التواصل المتعددة مع الغرب .. علما أن ما يقال هنا ينطبق على جيل أراه يتشكل أمام عيني، حتى على مستوى طلاب المرحلة الابتدائية !. أحمد اللهيب [email protected]