إناء التعليم لدينا فاض بطلابه , حتى عجزت جامعاتنا عن استمرار احتضانهم بمستوى عالمي عالٍ, وأخرى احتوتهم إلى النهاية وبعد التخرج وضعتهم على أعتاب انتظار شفقة ديوان الخدمة وتحت رحمة ميدان العمل .. فجاء برنامج الملك عبدالله للابتعاث ليعطي هؤلاء وأولئك دافعاً لإكمال التعليم في الخارج , والحصول على شهادات معترف بها ومعول عليها لتشفع لهم بعد العود من الاغتراب . كثيرون أولئك الذين التحقوا بهذا البرنامج وآخرون لذت لهم الفكرة .. فبادروا ببذل الغالي والنفيس لإرسال أبنائهم وبناتهم إلى بقاع مختلفة للحصول على شهادات عليا , وإن كان هدف الشهادة والمستوى التعليمي الفائق الجودة والمعترف به ليس السبب الحقيقي دائماً , إذ لدى البعض هاجس المظاهر والأناقة المقنعة و \"البرستيج\" .. والذي قد يكون سبباً وجيهاً لابتعاث الأبناء أحياناً .. فبعض الأبناء متأخر دراسياً ولم يبلغ الشهادة الثانوية إلا بشق الأنفس وبقدرة قادر يُبتَعَث لاستكمال الدراسة والحصول على اللغة كأبسط ما يمكن الظفر به .. لا أدري كيف يمكن لذاك الذي عجز أن يصل إلى مستوى علمي جيد في مدارس بلده وبلغته , كيف له أن يبدع ويتقن لغة أجنبية ويأتي بشهادة من جامعة عالمية وفي بلد يمثل المتحدثون فيه بلغته أقلية ؟ لقد هزَّ أمثال أولئك هيبة الابتعاث وبدلاً من أن يصبح رحلة في طلب العلم , أصبح مجرد رحلة سياحية طويلة نوعاً ما , قد يأتي أبناؤنا بعدها إما [ مستغربي ] فكر ونظام حياة , أو مباهين ومفاخرين بلغتهم (إن هم بلغوها) من هم أقل شأناً فيها , وبعضهم يأتي بلا هذا ولا ذاك .. فهو يعود كما رحل , بل ربما أسوء حالاً ومآلاً , وقلة أولئك العائدون بمستويات مشرفة محققين الأهداف الحقيقية التي ابتعثوا من أجلها .. وبعد العود الموفق إما احتواء ورعاية أو تأبطاً لشهادة أخرى .. واستئناف التحاق بركب العاطلين والعاطلات . فاطمة العرجان