كشف اللقاء الذي عقده الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع عدد من الصحفيين العرب والمسلمين، عقب الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة، عن أزمة حقيقية يعاني منها كثير من المثقفين العرب تتمثل في تنازلهم عن المبادئ والأطر الأخلاقية، تحت دعاوى زائفة من الليبرالية ومقتضيات المهنة. وكان انسحاب الكاتب المصري فهمي هويدي من اللقاء، عندما علم بوجود صحفي إسرائيلي، هو الذي وضع الصحفيين الباقين في موقف لا يُحسدوا عليه، وفي الوقت نفسه أزال الأقنعة ووضع النقاط على الحروف، فيما يتعلق بمواقف بعضهم من القضية الفلسطينية، التي تأتي على رأس القضايا العربية. ولعل أبرز المشاركين في هذا اللقاء -بعد انسحاب هويدي- كان جمال خاشقجي رئيس تحرير صحيفة الوطن ممثلا للصحافة السعودية، وهو ما جعل مشاركة خاشقجي في هذا اللقاء أكبر من مجرد خطأ عابر، وقد أكد ما تم نقله عن أجواء اللقاء هذا الطرح، حيث أن خاشقجي تبادل التحية مع الصحفي الصهيوني. هذا الموقف الجديد أسقط القناع عن وجه جمال خاشقجي، وأزاح غموض مواقف سابقة له، منها مقال كتبه عام 2006 في جريدة الغد الأردنية بعنوان (رأي في عبثية العنف الإسرائيلي الفلسطيني)، أصر فيه على استخدام مصطلح العنف الفلسطيني مقرنا إياه بالعنف الصهيوني، ومساويا بين الضحية والجلاد، وبين الاحتلال والدفاع عن النفس بالمقاومة المشروعة. وربما كانت تحيته للصحفي الصهيوني دليلا على أنه ليس اللقاء الأول بينهما، لكنه اللقاء المعلن لأسباب خارجة عن إرادة خاشقجي، ومن هذه الأسباب انسحاب الكاتب فهمي هويدي من اللقاء، وتسليط الضوء من جانب وسائل الإعلام على هذه القضية، وهو ما لم يجعل خاشقجي يلجأ إلى التكذيب، والادعاء بأنها شائعات مغرضة، كما سبق ونفى لقاءه مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني خلال مؤتمر دولي في العاصمة القطرية الدوحة العام الماضي. خطورة مثل هذه اللقاءات مع الإسرائيليين، من جانب بعض المحسوبين على المثقفين العرب، أنها تقدم لإسرائيل تطبيعا مجانيا، وتهدر أحد أهم أوراق الضغط العربية على الكيان الصهيوني لتسوية القضية الفلسطينية، لكن هذه اللقاءات في الوقت نفسه تقدم لنا خدمة كبيرة حينما تكشف لنا عن الوجه الحقيقي لبعض مدعي الثقافة، وتظهر لنا زيف مبادئهم المزعومة، وتؤكد أن مبدأهم الوحيد في الحياة هو أن الغاية تبرر الوسيلة.