أم عبدالله تقول عن نفسها: تخرجت بدرجة امتياز من قسم الفيزياء، كانت الفرحة لا توصف لقد تحققت الأمنية الغالية سأصبح مدرسة للمادة المحببة إلى نفسي، انتشر الخبر بين أفراد العائلة التهنئة الأولى من الوالد العزيز الحمد لله على هذه النعمة حيث انتهت مرحلة من أهم مراحل حياتي الدراسية وتم التعيين في منطقة تبعد عن مدينتي حوالي ثمانين كم. تم الاستعداد لذلك بالبحث عن وسيلة مواصلات مناسبة لي وبعض زميلات المهنة انطلقت أول رحلة على بركة الله الساعة الرابعة فجراً ليلتها لم أذق طعم النوم من الفرحة وصلنا إلى المدرسة في الوقت المناسب أول اجتماع مع المديرة بعد الترحيب بالزميلات الجدد ثم شرح خطة التدريس لهذا العام بدأت أول حصة دراسية في حياتي وفقت ولله الحمد بكسب محبة الجميع من مدرسات وطالبات. مرت سنوات ونحن على هذا الحال راتبي يتم تحويله إلى حساب والدي مباشرة لم أعترض على ذلك فأنا لم أهتم بهذا في بداية الأمر ولكن مع مرور الوقت كنت أجد صعوبة عندما أطلب منه بعض المال لتأمين احتياجاتي الضرورية، هداه الله يعاملني كأني لا زلت طالبة في المراحل الابتدائية. جاء من يطرق الباب لخطبتي فأنا في نظرتهم امرأة صالحة تتمتع بأخلاق عالية والله المستعان تعلل والدي بأسباب غير مقنعة ولكن ماذا أقول؟ هذا والدي وهو من يعرف ويقدر مصلحة ابنته!! تكرر طرق الباب من خطاب وخاطبات وكعادته يقدم لهم الأعذار تلو الأعذار وعندما تسأل لماذا تردهم؟؟ تأتي الإجابة المتكررة دوماً وهي: هؤلاء ناس دفعهم الطمع وحب الدنيا لم يأتوا من أجل الزواج فقط هؤلاء طماعون يرغون براتبك وليس بك أنت. مع مرور الأيام بدأ طرق الباب يخف شيئاً فشيئاً، مرت سنوات ونحن على هذه الحال حتى بلغت السن السابعة والثلاثين من العمر ظهرت خطوط الزمن على وجهي أسلي نفسي بأبناء إخواني وأخواتي، أشعر بالألم والأسى والحرمان عندما أشاهد أماً تحضن وليدها، بدأت صحتي تتدهور أحلامي ماتت قبل أن تولد أحاسيسي وأدوها في مهدها كأني غريبة بين البشر أعيش على هامش الحياة، التفت يميناً أجد أباً حبه للمال طغى عليه وحطم كل بذرة عاطفة في كيانه وأم مسكينة لا حول لها ولا قوة وبقية من إخوة لا يربطني بهم سوى ما ذكر في البطاقة الرسمية حتى المدرسة كرهتها أذهب إليها وأنا متثاقلة ولكن ماذا أقول؟ تلك أمانة عليّ تأديتها. وفي يوم من الأيام كنت أشرح لطالباتي الدرس إذ بإحدى الطالبات ترفع يدها لتسأل أصعب سؤال مر عليّ في حياتي عندما قالت الطالبة وبكل براءة: ابنك (عبدالله) بأي مرحلة دراسية يا معلمة؟ (أم عبدالله الكنية المحببة لي) عندها شعرت وكأن الدنيا تلف بي فهذه الطالبة بسؤالها نكأت الجرح الغائر لم أستطع الوقوف خرجت من الفصل مسرعة إلى غرفة المدرسات جلست على الكرسي أشعر بدوار واسم عبدالله يتردد صداه في مخيلتي أتساءل لماذا حصل لي هذا؟ الغريب في الأمر أن عيني لم تدمع كالعادة ولكني أشعر بأن قلبي تفطر من الداخل، خيال والدي لا يفراقني نقلوني إلى المستشفى فحالتي تستدعي ذلك، بدأت حالتي النفسية والصحية بالتدهور زادت الحالة أكثر وأكثر نقلوني لغرفة العناية المركزة جاء والدي لزيارتي كالعادة ولكن هذه المرة شعرت بأن هذا الرجل غريب علي قلت له: من أنت؟ قال: أنا والدك، ماذا دهاك يا بنتي؟ قلت له: أنت والدي؟ قال: نعم. قلت له: أنت من حرمني الزوج والولد؟ قال: لا هذه مقادير الله سبحانه وتعالى. قلت له: أرعني سمعك. قال: نعم يا بنتي أنا قريب منك. قلت: لا أكثر.. نعم ماذا تريدين؟ قلت: هات يمينك. قال الأب: حاضر يا بنتي فوضعت يدها على يده وضغطت عليها بكل قوة حتى شعر الأب بأن أصابعه تتهشم من قوة ضغطها عندها فتحت عينيها وهي شاخصة ببصرها نحو السماء وقالت بنبرة حادة: لماذا يا أبي حرمتني من الحياة؟. الله، الله، الله.. ثم فاضت روحها ويدها على يد أبيها. أما الأب فسقط مغشياً عليه وبعد الفحص وجد أنه قد أصيب بجلطة دماغية كانت سبباً بالشلل. أما البنت تم تغسيلها والصلاة عليها ودفنها. وكم من أم عبدالله في بيوتنا!! علي بن محمد العليان - الخبر