قطرة دم تعني الحياة! يشاع أحيانا أن مجتمعنا يفتقد كثيرا لثقافة (العمل التطوعي) ويُسْتَشهد على ذلك بالقول إن الجمعيات الخيرية لدينا محدودة والمنتسبين لها تطوعا هم قلة إذا ما قورن الأمر بما هو حاصل في المجتمعات الغربية فهناك جمعيات خيرية أو تطوعية لكل شيء تقريبا ومن الأمثلة على ذلك جمعيات مساعدة المرضى المصابين بأمراض مختلفة وجمعيات مساعدة ضحايا الحروب والألغام وجمعيات توعوية وغير ذلك كثير. ومن وجهة نظر شخصية أرى أن تلك المقولة ليست صحيحة على إطلاقها وفي المقابل ليست خاطئة تماما فمجتمعنا يُجِلُ الخيرية ويقدسها ويوليها اهتماما انطلاقا من مبادئ وقيم الدين الإسلامي الحنيف الذي يوجه دوما لعمل الخير ويحث عليه ويَعِدُ بالأجر العظيم والمثوبة لفاعله دنيا وآخرة ولكن العمل التطوعي الخيري كثقافة فردية ومؤسساتية ما زال دون المأمول وأقل من طموح أمة (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وفي هذا الأسطر نتوقف عند نموذج مشرف من العمل الخيري التطوعي المنظم الذي استفاد وسخر الإنترنت لنفع الكثيرين وهذا العمل هو موقع الكتروني للتبرع بالدم أنشاه ويتابعه بشكل يومي مجموعة من الشباب السعودي وهو موقع بسيط الفكرة عظيم الفائدة فهو عبارة عن قاعدة بيانات تتضمن عناوين وهواتف الراغبين في التبرع بالدم وأماكن إقامتهم وكل من احتاج للدم ولم يتسن له الحصول عليه فما عليه سوى الدخول لهذا الموقع على الرابط التالي:- www.freeblood.com وبخطوات سهلة يصل إلى من لديهم الاستعداد للتبرع. فلو فرضنا أن شخصاً اسمه (أحمد) مقيم في (جدة) مثلا واحتاج لدم فكل ما على ذويه هو الدخول للموقع والبحث عن مقيمين في جدة ولديهم نفس فصيلة دم (أحمد) وبالطبع فأرقام هواتفهم وعناوينهم وكل المعلومات الضرورية عنهم مسجلة في الموقع ولا بد أن يوجد من بينهم من هو جاهز على نحو سريع للذهاب للمستشفى الموجود به أحمد للتبرع ابتغاء للأجر والمثوبة. وللعلم فقاعدة البيانات بها معلومات مجدولة حسب البلدان والمدن داخل وخارج الوطن العربي. بقي أن نشير إلى أن هذا الموقع موقع خيري لا يهدف إلى الربح المادي بتاتاً وهو وقف لله تعالى، والقائمون عليه ينشدون الأجر ويأملون في ثواب رب العالمين. بدأ الموقع عمله بتاريخ 22 شعبان 1424ه. ويحتوي الآن على أكثر من 20 ألف شخص من المسجلين من مختلف أنحاء العالم وقد استفاد منه بالفعل عدد من المصابين والمرضى. إننا نرى أن هذا الموقع قد انطلق من مسلمة لا جدال فيها وهي أن حق الحياة من أهم الحقوق التي اهتم بها الإسلام فهذا الحق منحة إلهية لا يحق لأحد أن يصادره إلا بحقه، قال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) وقال صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه). وما علوم الطب قديمها وحديثها التي منَّ بها الله على الإنسانية إلا سبيل للمحافظة على هذا الحق ورعايته بعد أن كفلته جميع شرائع السماء وقوانين الأرض، وأجسادنا الآدمية التي تسري فيها أرواحنا تعتمد على جريان الدم من القلب إلى سائر أجزاء الجسم والعكس حاملا الماء والغذاء والهواء فيما يعرف بالدورة الدموية وكثيرون هم البشر الذين يحتاجون للدم ليبقيهم بإرادة الله على قيد الحياة فهناك من يصاب في حادث مثلا وهناك من تجرى له عملية جراحية وهناك من يعاني من بعض أمراض ذات علاقة بالدم... وهكذا تكون أحيان قطرة دم سبباً في بقائه حيا. يقول عليه الصلاة والسلام (إن من أعظم الصدقات: سروراً تدخله على قلب مسلم) وهل هناك أعظم سرورا من أن يكون الإنسان سبباً بعد الله سبحانه وتعالى في بقاء إنسان آخر حي يرزق؟ أليس (في كل ذات كبد رطبة أجر)؟ إن هذا الموقع يحتاج للمزيد من المتطوعين والمتبرعين ويحتاج أيضا لمزيد من الإعلام له والإعلان عنه ويحتاج في حال موافقة القائمين عليه إلى أن تتبناه جهة رسمية كوزارة الصحة مثلا ليعم نفعه ويشمل العالم بأسره ويكون هدية من مملكة الإنسانية للإنسان أينما حل وحيثما ارتحل بغض النظر عن معتقده وجنسيته ولغته وموطنه ولمثل هذا فليعمل العاملون. خلف سرحان القرشي [email protected]