(( بين أوباما وإيران... «سياسة ناعمة» )) أخيراً وبعد ستين يوماً في البيت الأبيض مد الرئيس أوباما يده الناعمة إلى ملالي طهران، وهذا السلوك يتواءم تماماً مع شخصيته التي يظل الهدوء والبرود غير العادي أهم وأبرز سماتها. أثناء الحملة الانتخابية الطويلة للرئيس أوباما، كان هناك الكثير من الأسئلة التي يود المعلقون طرحها ويتوق الناخبون لسماع أجوبة شافية لها، وفي كل مرة كان أبرز المعلقين الإعلاميين أمثال توم براكو وريشال مادو وبرايان وليامز وتشارلز قبسون وكريس ماثيو وغيرهم يقولون إن أبرز ما لفت انتباههم في أوباما أنه هادئ لدرجة لا تصدق. حتى المعلق المحافظ بيل اورايلي، الذي أعلن عداءه لأوباما منذ اليوم الأول، قابله على قناة فوكس، وقال بعد المقابلة «انه بارد لدرجة لا تصدق، إنه من تريد ان تكون معه وقت الأزمات». تهنئة الرئيس أوباما لإيران بعيد النيروز غير عادية، حيث أنها المرة الأولى منذ ثلاثة عقود التي يخاطب فيها رئيس أميركي حكام طهران بلغة معتدلة، وهناك ثلاث قراءات محتملة لها: الأولى: أن الرئيس أوباما يريد فعلاً أن يفتح صفحة جديدة مع إيران تقوم على الاحترام المتبادل كخطوة أولى للمشاركة السياسية في ترتيب أوراق المنطقة، وإن لم ينجح هذا المسعى فستكون هذه المبادرة عبارة عن صك براءة للرئيس أوباما فيما لو قرر التصعيد سياسياً أو عسكرياً مع إيران. يرجح هذا الاعتقاد أن الرئيس أوباما كان يكرر خلال العامين الماضيين أن إدارة الرئيس بوش لم تعط الديبلوماسية فرصة كافية في موضوع العراق، إضافة إلى أنه قال مراراً خلال حملته الانتخابية إننا يجب ان نتعامل مع إيران بالطرق الديبلوماسية ونستنفدها مع التأكيد على أننا لن نستبعد خيار التصعيد العسكري إذا اقتضت الضرورة ذلك، في مزايدة واضحة على المرشحة حينها هيلاري كلينتون، التي قالت إن أميركا ستمحو إيران من الخريطة لو اعتدت على إسرائيل. إذاً نستطيع القول ان الرئيس أوباما بدأ بتنفيذ هذه السياسة. الثانية: إن الإدارة الأميركية قررت ان تشرك إيران مع دول التضامن العربي - المملكة ومصر تحديداً - للتعامل مع قضايا المنطقة الشائكة، وهذا يتطلب جهداً مضاعفاً منها، حيث إن الخطوة الأولى يجب أن تكون حلحلة القضايا الشائكة بين هذه الدول الثلاث قبل أي تحرك فعلي تجاه القضايا الأخرى كقضية السلام العربي الإسرائيلي وموضوع العراق وحزب الله. الثالثة: إن الإدارة الأميركية، وفي ظل تورطها في العراق وأفغانستان والأزمة الاقتصادية، أذعنت للأمر الواقع وقررت ان تتعامل مع إيران على حساب دول التضامن العربي، أي أن أميركا فتحت صفحة جديدة مع إيران على حسابنا، أو أن هذه الصفحة مفتوحة منذ زمن، إذ إن هناك تسريبات إعلامية داخل أميركا نفسها تشير إلى وجود علاقات سرية بين أميركا وإيران منذ أحداث (أيلول) سبتمبر، ويستدلون على ذلك بأن أميركا قدمت أكبر خدمة لإيران بتدميرها لألد أعدائها ومن ثم تسليم العراق لها. إن صحت هذه القراءة فإن أوباما في تقديري يرتكب خطأً جسيماً موازياً لما ارتكبته إدارة بوش، فإذا كان الأخير استخدم السياسة الخشنة وفشل فشلاً ذريعاً، فإن استخدام الرئيس أوباما للسياسة الناعمة ستلاقي المصير نفسه. لا جدال على أن أوباما ومعظم الشعب الأميركي تولدت لديهم ردة فعل عنيفة من السياسات الخشنة للإدارة السابقة، ولكن هذا يجب ألا يعني الارتماء في أحضان إيران. قلت في مقال سابق إن إيران تفسر الحكمة على أنها ضعف، والهدوء على أنه خوف، ولعل ردود أفعال الولي الفقيه وزعماء إيران على خطاب الرئيس أوباما يثبت ذلك... الليالي حبلى بالمفآجات وأتمنى ألا تقع إدارة أوباما بسياستها الناعمة في الفخ نفسه الذي وقعت فيه إدارة بوش بسياستها الخشنة. د / أحمد بن محمد الفراج [email protected]