الدولة لا تحب المنافقين ولا تحب (حمقى) المعارضين، فقد اختارت لنفسها وسط الدين والثقافة والسياسة والتعامل مع الناس وهي سياسة قديمة لديها، وقد يستغرب البعض من هذا الاستهلال المباغت والأولي والمفاجئ، وقد يراه من يحبني أو يكرهني أنه لا داعي له ولهم الحق في ذلك، لكنهم جميعاً يجهلون المبرر لهذا الكلام ألا وهو أننا بشعور باهت لا نمدح الدولة باعتدال ولا نكرهها باعتدال، وأصبح الإنسان يخشى من مطرقة الناس (الذين لن يرضو عنك أبداً) الذين يتهموك بالنفاق في كل صنوف المدح بالحق، والدولة كما أعلم وأتابع أنها حريصة على التنبية و (النصح) والتبليغ عن أي خلل في المجتمع و لا أدل على ذلك من فتح (السلطة التي لا ترحم) وهي سلطة الصحافة والإعلام بأنواعها وخشية المسئولين بل التجار من سطوتها وخوفاً أن تصل الملاحظات التي يتقدم بها المواطنون ويبثون شكواهم بها إلى (ولاة الأمر) بل حتى شكاوى (البرقيات) التي دفعت مظالم ونبهت عن أخطاء يحدثني (صاحبنا) على طريقة (الأيام) لطه حسين... أنه كان شاباً صغيراً عليه علامات التدين والالتزام وقد ساقته الأقدار أن يكون إماماً لمسجد مدينة الحجاج في بريدة، وقد كان كله حيوية ونشاط في أداء مهامه الدينية والوطنية على السواء، إلا أن ما عكر صفو وظيفته هذه هو شكاوى بعض الحجاج الذين يؤدون معه الصلوات الخمس فأحدهم يشتكي من تعامل طبيب الصحة (المسيحي) معه ووصفه للحاج عندما لم يفهم كلامه بالحمار!! مسيحي في مدينة حجاج هذه نكته مضحكة ولكنه ضحك كالبكاء، وحاج آخر يستغرب منظر (الجراك) وعواميده الفارهة عند الدفاع المدني، وحجاج كثر يشتكون من الوضع المزري للخيام المتهالكة وكذلك تصرفات الشرطة مع الحجاج المخزية، وعدم وجود مدخل مناسب لمدينة الحجاج وهي مسئولية المرور.... الخ. وفي كل يوم يصدم هذا الشاب الصغير بمشكلة جديدة فذهب إلى مسئول الإمارة الذي أخبره ببرود أن هذه المدينة (يقصد مدينة الحجاج) لفترة محدودة ولا تكلف نفسك العناء وراتبك (ماشي) وقدم له مع (الخويا) حليب خلفات رشوة صغيرة له. إحتار هذا الشاب فما كان منه إلا أن يطرق باب المسئول الكبير والحاكم الإداري بعد أن أعيته الحيلة، وقد كانت أول سنة تعيين لباني نهضة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز حفظه الله، دبج هذا الشاب الصغير خطاباً استعان فيه بكتاب (الزيات) في إختيار لغة الخطاب.. كتب جميع الملاحظات التي في صدره في هذا الخطاب ولوعته الشديدة من حال مدينة الحجاج ووضعها في ظرف وأنتظر زيارة الأمير فيصل حتى يسلمه الخطاب يداً بيد، وبالفعل حصل ذلك واستراح بعد أن قدم ما لديه من ملاحظات إلى المسئول الكبير، فقد اعذر إلى الله، من الغد وبعد صلاة الظهر جاءه خبر أن الأمير حدد له موعداً حتى يعرف ما لديه بالتفصيل، فرح الشاب الصغير كثيراً رغم أن هيبة الأمير ومقابلته لأول مرة ليست بالشيء اليسير، ذهب الشاب من الغد وركبتاه تكاد تحملانه والهواجس تلعب برأسه، دخل على الأمير فيصل واستقبله الأمير من الباب بأخلاق الكبار وقال له قل ما لديك بدون خوف و ما تريد، وتأكد أن حرصك على الشأن العام وأنت بهذا السن مثار للإعجاب، بكل نشوة تحدث هذا الشاب بما في خاطره، والأمير يستمع بكل إصغاء، وبعد انتهاء الشاب شكره الأمير وقال له : في أي وقت باب الإمارة مفتوح وقصري مفتوح لك. خرج الشاب من الأمير بنشوة العشاق بعد هذا التقدير والاحترام من شخص ليس كبيراً ووالداً فقط بل أمير!! فماذا حصل؟ بيوم واحد فقط تغير طاقم الصحة كاملاً بما فيهم الطبيب، وتم إصلاح الخيام وتغير مدخل المدينة واختفت مظاهر (الجراك) ووصلت المصاحف من الأوقاف، وتتابع مدراء الإدارات الحكومية للصلاة مع هذا الإمام الشاب الصغير، وكلهم يعطيه جهات الاتصال عند أي ملاحظة على ممثلي إداراتهم في مدينة الحجاج!!. وفي داخل هذه القصة قصة طريفة وهي أن هذا الشاب لم يأخذ مستحقاته من إدارة الأوقاف في ذلك الوقت ورفض مديرها بكل عناد لكن... ومن محاسن الصدف أن مدير الأوقاف كان على موعد مع الأمير فيصل بعد موعد هذا الشاب فخاف هذا المدير أن يصل إلى الأمير شكوى إمام المسجد فاستدعاه وصرفت له كامل الرواتب وهذه من بركات الأمير!! وقصة صاحبنا فيها من المعاني والعبر والاعتراف بالحق الشيء الكثير، وأذكر هذه القصة من سنوات مضت على تعيين صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر إمارة منطقة القصيم وهذا الخلق لم يتغير. ينقل لي من أثق به عتاب الأمير لموظفي الإمارة تأخرهم في إنجاز المعاملات للمواطنين بقوله تجلس المعاملة عندي ساعة وعندكم بالأيام!!. ليت (ربعنا) من مدراء الدوائر الحكومية والقضاة يتعاملون بهذا الحس العالي والراقي والمسئول، ويتركوا (المختصرات) المجهزة كل صباح بما لذ وطاب من الفول المدمس (والتميز الأفغاني) وترك معاملات وقضايا الناس بحجج الاجتماع!!. وأخيراً: أهلاً بك يا أبا محمد تاجاً على الرؤوس، فكل ذرة في القصيم ترفل بثوب العيد لقدومك، ولا أراك الله مكروهاً أبداً ما لوم رجلك لو شكت كأيد الكود أتعبتها ترقى سنود المعالي!! صالح الدبيبي