أن الباحث في تركيبات العقل البشري ومشاتله الفكرية وطريقة نظرته إلى الكون والحياة يجد أن الجزء الأكبر من مخزونه مؤلف من - الأفكار والمصطلحات التقليدية الموروثة - \" سليمها وسقيمها \" والتي يوحي بها إليه محيطه الاجتماعي الذي يعيش فيه فيغرسها في أعماق عقله الباطن , ومع مرور الزمن يتأثر بها من حيث لا يشعر ويصبح لا ينظر ألا من خلالها . غير مدرك أن نظرته هذه التي يطل منها على فلسفة الحياة مقيدة ومحدودة بهذه الموروثات , بل ربما توهم واعتقد انه حر التفكير ومن الحنلقين في فضاءاته , وهنا مكمن الخطر والداء الخطير..! وبناء على هذه المسلمات \" المغلوطة \" التي يسلم بها العقل المؤطر تنطلق نظرته لكل شيء وتتكون إلى أقصى أبعادها حتى تصبح هذه الموروثات عقيدة راسخة يوالي ويعادي عليها, فهو لا يكاد يرى أحداً يخالفه الرأي ( ولو كان هذا الخلاف في قضية تحتمل ذلك ) حتى يثور في وجه هذا المخالف غاضباً متحفزاً لقتاله والاعتداء عليه والإطاحة به .. وثالثة الأثافي كما يقال انه عندما يقوم \" بالفعل \" بالاعتداء على من يخالفه الرأي وشطبه من المحيط الاجتماعي أو الفكري فهو لا يعد ذلك ظلماً وعدواناً ولا يؤنبه ضميره أبداً.! , بل انه يعتقد في أعماق نفسه انه قد أقدم على فعل عمل صالح ونبيل . وانه قد جاهد في سبيل نصرة الحق والحقيقة وإزهاق الباطل والمبطلين ..! ولا يمكن للعقل البشري الخروج من هذا النفق المظلم ألا بعد أن يتخلص من القيود العديدة التي تقيده وتؤطر نظرته إلى \" الحقيقة \" ولها دورها المهيمن الذي لا يمكن الاستهانة به . يروي البروفسور ( وليم بانت ) حادثة توضح نوعاً من أنواع ردات فعل العقول المؤطرة والخاضعة للقيود في كيفية مواجهة أمر خارج مألوفاتها... يقول \" بانت \" أن الراديو الذي اخترعه ( أديسون ) حين عرض لأول مرة في أكاديمية العلوم بباريس أعلن العلماء الحاضرون جميعاً انه مستحيل ..! حيث انه لا يمكن في زعمهم أن يسجل صوت إنسان على اسطوانة من المعدن.! وقد اتهموا حينذاك صاحب الراديو ومخترعه – أديسون - بأنه كان يخفي تحت المنضدة رجلاً ينطق من حنجرته ليخدع الحاضرين ..! إن العقل البشري لن يرتقي إلى المستوى المطلوب منه ويمارس الدور المناط به ويصبح أداة فعالة منتجة ألا بعد أن يتخلص من قيوده ويكون منفتحاً على الحضارات والأفكار بشتى ألوانها وأطيافها , فيأخذ منها ما يجده موافقاً لبناء حضارة يتشرف ويسعد بها , ويرمى بسيئها والفاسد منها في أدراج أرشيفات التاريخ ويحكم إغلاق رتاج الباب من دونها ... وهذا الأمر لن يتحقق له إلا إذا كانت لديه الشجاعة الكافية وانتزع من رأسه \" ثقافة القطيع \" التي غرست في عقله زمناً طويلاً وقام بنحرها بيديه , وقدمها قرباناً على نصب الحرية الفكرية والابتسامة تعلو محياه .! واختم بهذا المثل الرائع الذي يقول : ( العقول كمظلات الطيارين لاتعمل حتى تفتح ) منصور الظاهري