كثير من الشباب الناعم المتدين ذي الصوت الخافت والناعم ، وصاحب الهندام المهندم واللحية المهذبة ، الذي يتردد على مطاعم العائلات ومتقن لفنون التعامل مع الأجهزة الحديثة .. هذا الصنف تجنح نفوسهم إلى الدعاة المسالمين الذين تغلغلوا في النفوس قبل اجتياح الأشياء المؤدية إلى الممارسات الحياتية كالجفري وعمرو خالد وعمر عبدالكافي وخالد الجندي وأحمد الكبيسي وعبدالكريم بكار.. وغيرهم .. لكن ثمة من الدعاة من هم أقرب – مناطقيا - إلينا ، فنفذوا إلينا بأطروحاتهم الشبابية التي تشبع نفوسهم المتطلعة لما هو جديد في عالم الفكر والمعرفة ، وهؤلاء هم دعاة الكويت كطارق السويدان ومحمد العوضي وصلاح الراشد وجاسم المطوع وأحمد الدعيج ونبيل العوضي .. أما دعاتنا فارتبطت شهرتهم بالدخول في عالم السياسة ومناكفتهم للدولة واستغلالهم تسييس الأشياء لصالحهم ، ومن ثم شهرتهم وتأثيرهم .. ومن أراد الشهرة فليتحرش بالساسة ولو كان هباء . فدعاتنا المحليين راحوا يلوكون العموميات ويستنفروا ضمائر العامة والغوغاء من الشباب عن \" الخطر الداهم \" ، وعندما تلامس حناجرهم فكرة محددة يأتون بمضحكات لاترقى إلى كتابة تحليل من طالب مرحلة ثانوية ! هؤلاء تحرشوا بالسياسة فقمعوا وقعدوا في خلوات مع النفس سنوات فرأوا أن القافلة تسير والحياة تسير في تطور كالنهر لايأبه لأحد إلى أن خرجوا فأعادوا النظر واقتنعوا بأن للسياسة أهلها وأن هناك خطوط لايمكن أن يتجاوزوها بحال ، فعرفوا قدر أنفسهم ونكصوا فراحوا يبدون ويعيدون بضاعتهم من جديد فتكشفت بضاعتهم عن آراء تربوية مدرسية في قنوات ولقاءات تنشد سد الفراغ والإثارة والشعبية ، وراحوا يجترون رصيد \" الكفاح \" و \"المجد الآفل \" لإزالة غبار الموات والسنين العجاف للدخول بعضويات ومساهمات اقتصادية وسمسرة تجارية إلى أن انبعث \"الداعية المليونير\" ليخرج على الشاشة الفضية بلحية مهذبة محناة أو مصبوغة بالكتم ، وأسنان مبيضة وميك أب، وشماغ أبيض وطوق مغلق وأمنيات باستخدام العقال والكبك وإن تيسر أشياء وأشياء .. ومضت السنون وهم يغيرون آراءهم كما تغير عارضة الأزياء زيها باستخدام العبارات الموحية بالسلام والإنسانية ونبذ العنف والرفق والحب ، ثم الحديث عن رغبة الناس بالترف والتدخل في تقنين حاجات الناس بالتوجيه والإرشاد لأنهم متحدثون باسم الحق الإلهي .. فهم أعرف وأكثر من يدرك حقيقة مخالفات الشرع ومداخل الشيطان ، وهم صمام الأمان فليتنبه لذلك ! ثم بعد ذلك راحت قوافلهم تتقافز من مؤتمر حواري إلى آخر من اجتماع مذهبي إلى آخر وقبلات واحتضان مع أعدائهم السابقين كبادرة حسن نية وحاجة المرحلة بينما هم بأمس الحاجة للترحاب ونبذ العداوات مع أن القاعدة الصلبة تدعمهم وبقوة فراحوا يواصلون تأسيس المنتديات والسفر إلى الخارج والدخول في معترك الاحتفالات للتقرب من أعدائهم السابقين والقبوع في قنوات \" العهر والخلاعة \" وإذاعات \"السخف الدجل\" بأدلة ذكية مقنعة لذوي الاحتياجات العقلية الخاصة ! شبعوا ورووا واغتنوا واطمأنوا وفتحت لهم الدنيا على مصراعيها بانفتاح بعد انفتاح .. إلا السياسة .. كونوا ببغاوات أو قولوا عموميات تريح العامة أما مافي قلوبكم ومجالسكم الخاصة فقولوا ماشئتم .. لكن دعاة الكويت فهم من صناعة حضارية .. تخصصوا فأبدعوا وتعلموا الجديد بفكر راق ، وأصبحوا نسيجا واحدا مع ساستهم ، وأخذوا يمارسون حقوقهم السياسية بأدب في البرلمان ، فقد وحدهم الاجتياح الصدامي في حرب الخليج ، ووحدتهم المصلحة الوطنية لاتحريض العامة على السلطة لأنهم فهموا لعبة السياسة بعد أن نوعوا معارفهم بثقافات منوعة .. خذ مثلا الدكتور طارق السويدان أصدر عشرات الاصدارات المفيدة في التاريخ والفكر والإدارة وغيرها ، وجاسم المطوع في شؤون الأسرة والسعادة الزوجية ، وأحمد الدعيج في التاريخ ، وصلاح الراشد في البرمجة العصبية وغيرها ، ومحمد العوضي في برامج لذيذة ممتعة تعجب الجميع ، وعبدالله النفيسي كمفكر في شأن السياسية دون انتهازية كشأن بعض الدعاة عندنا .. وقد لايكون في بعضهم عمق المفكر المتخصص لكنه بحق مساهم في رفد ثقافة الشباب ونشر العلم الغير مسيس ويعد مثالا لداعية المرحلة . إن دعاة الكويت استطاعوا أن يتحفوا المتلقي بشيء ملموس ينفعه في علوم مختلفة ، أما أصحابنا فأزعجونا – وليسوا كلهم – بالضجيج ودس الأنف بالسياسة والممارسات الايديولوجية المزعجة وماإنتاجاتهم في التسجيلات الإسلامية إلا تكرار لاينفع ، أما دعاة الكويت فعمدوا التحضيرالرصين والتسجيل المحسوب بدقة والقناعة بحق المستمع وإفادته بهذه المادة . فحسن النية لايكفي والغيرة على القيم لاتكفي فهذا زمن التخصص والحقيقة والفائدة الملموسة والعقل البعيد عن حرب الشوارع ونقائض جرير والفرزدق فقوموا يادعاتنا إلى صلاتكم يرحمكم الله.. حبيب بن أوج [email protected]