كان واقفا ثم جلس، واتكأ على سارية في أقصى بيته الطيني، ثم نادى بنا، فتحوْمنا حوله ، فبسمل وصلّى على النبي المختار - صلى الله عليه وسلم -، ودعانا إلى النظر إلى وجهه، وأردف قائلاً : يحكى أن شعبًا كان يسكن في جزيرة بعيدة، منعزلا عن العالم ، لا يشبهه أحد سواه، لهم كما يدعون خصوصية عن غيرهم من الشعوب، ولذا تجدهم يفعلون أشياء لا تصدق ، يبكون حين يضحك العالم ، وينامون حين ينهض العالم ، ويجوعون حين يشبع العالم ، صراخهم طويل، وسكوتهم قصير . تميزهم عن غيرهم ، بأن بيوتهم من الداخل جنة، وشوارعها سلة مهملات، كل واحد منهم يقول: أنا أولا ، ومن خلفي الطوفان، قيادتهم للسيارة بعقلية قيادتهم للجمل، ولذا يقفزون على الأرصفة حين تضيق بهم السبل. تراهم حين ينادي المنادي من كل حدب ينسلون، وحين يزعق بهم في كل جحر يختبئون، خيلاؤهم بأنفسهم أعظم من قمة (إيفرست)، ينظرون إلى العالم أنه في أسفل سافلين، بينما هم في مقام أمين، يعيشون في زهو أنفسهم كأنهم ملائكة خلقوا ليحاسبوا الناس ، بينما لا يسألون عن أعمالهم وأفعالهم. يزعمون أنهم أعلم الناس في كل شيء، وهم لم يخترعوا إبرة ولا أقل من ذلك، وإذا سألتهم: تجدهم علماء في كل شيء، تنزف وجوههم غطرسة وخيلاء على غيرهم من الشعوب، وتسيل عيونهم نظرة استصغار واحتقار لغيرهم من الأمم، وواقعهم لا يتجاوز ثلاث كلمات : أن يمتلأ بطن ، وأن يشبع جيب، وأن تسهر عين !. - أشرت إليه بيدي ، ثم قلت : وما بالهم لا يعيرون العالم اهتماماً . قال يا بني : لم يكن يحيط بهم غيرهم، فهم معزولون عن العالم ، لم يدركوا أن العالم سبقهم ، وأنهم في مؤخرة الركب، يحارون في كل أمر يسألون عنه، يضعون الأنظمة ويخترقونها ، ينصبون على أنفسهم، يحتالون على ذويهم ، يزورون بصماتهم، يهمشون المصلحة العامة ، ويقدم كل واحد منهم مصلحته على أبيه وأمه، ويركبون حصان الواو لسباق المال!. يحطمون قيمهم ومبادئهم ومُثُلهم، ويزعمون أنهم أحسن خلق الله كلهم، فهم في هذه المثالية المُقرفة، وهذه الخصوصية المزعجة التي أخرجتهم من الكون وجعلتهم يعيشون في نهاية التاريخ. فهو شعب يكشف للعالم أنه يقدم المبادئ المثلى والقيم العليا للكون، ولكنه لا يتمثل هذه المبادئ ولا هذه القيم ولا يجعلها عمله وتعامله !، وهم بعد ذلك كله يجيدون فن الشعارات! . وهم شعب - يا بَني – يملك أجمل جزيرة في العالم، ولو سعى كل فرد منهم أن يجعل ما تحت قدميه جميلا لأصبحت أروع جزيرة في العالم ، لكنه شعب لا يقدر ممتلكاته ومدخراته، إذ هو يملك ثلاثة أرباع محصول التفاح في العالم ، التفاح الذي أخرج أبونا آدم من الجنة يا بَني!. ثم نظر إلى الساعة ، وقال: حان وقت النوم. فقام وقد توكأ على عصاه، وأمسكنا به، وقلنا له : وباقي الأسطورة ؟. فقال : - وقد تبسم ضاحكا - لكل حادثة حديث ، وانصرف قائلا : أنتم بعيدون عنها البعد كله ! . أحمد بن سليمان اللهيب [email protected]