ترسخ في ذاكرتي هذا المثل الذي كان يردده علينا أحد أساتذتنا الأفاضل في مرحلة الدراسة المتوسطة، ويكرره عندما يرى فعل لم يعجبه من شخص يهتم بشكله ولباسه، (ديكوره الخارجي)، ولم يكن هذا المعلم يريد أن يلبس القصة لشخص آخر غيره بل ألبسها لنفسه قائلاً: إنه عندما كان في مرحلة المراهقة شاباً يافعاً مزهواً بنفسه، قدم والده الثري من إحدى إسفاره مع تجار العقيلات وجلب له بشتاً جميلاً وثميناً صناعة الشام. يقول: لبست البشت في مناسبة زواج قريب لنا، وربما كان هذا البشت أفضل وأغلى مما ارتدى قريبي العريس، وأخذت \"أتمخطر\" بغرور وكبرياء، وأرفع نظراتي عن الآخرين، وحتى على منهم أكبر مني سناً. ويضيف عندها أراد عمي أن يشعرني وبطريق غير مباشر، \"أن الإنسان ليس بشكله ومظهرة فقط بل في مخبره وجوهره\"، فقال لي: ولله يا \"وليدي\" (البشت زين بس الدحو وسط). يقول معلمنا عن نفسه: لأنني لم أنظر لنفسي إلا نظرة كمال، وجاء البشت ليجعلني انظر أنني فوق الآخرين، حسبت ما قاله عمي مدحاً وثناء، ولم أدرك ما يعني إلا بعد أن كبرت، عندها صرت انظر للأمور بواقعية وازنها بميزان الإنتاج والعمل لا المظهر والشكل فقط. لم تنته قصة معلمنا عند هذا الحد، يقول: بعد نهاية عرس ابن عمي، أودعت بشتي الجديد في خانة ملابس قديمة عبارة عن صندوق خشبي معرض لدخول الغبار والأتربة، وربما بعض القوارض والحشرات، رغم أن هذا الصندوق أفضل ما عندي، ولأنني لم أحفظ البشت بطريقة سليمة ولم أعتني بصيانتة والمحافظة عليه، أو على الأقل أعمل على تنظيفه بين فينة وأخرى مما تشربه من غبار، وجدته عندما احتجت إليه في مناسبة أخرى، وقد تعرض لبعض التلف، وتأكلت بعض أجزاءة، حاولت ترقيع ما أمكن ترقيعه، ولكن بعض الشقوق صارت أكبر من الرقعة. عندها عرفت أن المحافظة على الأشياء وصيانتها باستمرار لا تقل أهمية عن تملكها. ترى كم من الناس في مجتمعنا من هذا الصنف؟. يرتدون ملابس جميلة وثمينة منحتهم شكلاً ومظهراً مميزاً ... هناك الكثير ممن تعجبك مظاهرهم العامة ... وبعضهم قد تأسرك أحاديثهم وبلاغتهم وفصاحتهم... ولكن أفعالهم وسلوكياتهم تخفي تحتها غير ذلك..!!!. أما بيت القصيد هنا، فهو كم من المباني والشوارع والطرق والمؤسسات التعليمية والصحية التي تأسرك مظاهرها وديكوراتها الخارجية، وتتألم لمخابرها؟. نشيد المباني العامة والخاصة على أرقى المواصفات وأحسنها، ولكن نهمل تجهيزها من الداخل، كما نغفل عن متانة وقوة وتماسك الشيء - أي شيء - من الداخل منبهرين ومهتمين بالشكل أو الإطار الخارجي. أما قضية المحافظة على الأشياء وصيانة الممتلكات العامة والخاصة، فتأتي في أخر قوائم الأهتمام، وقد ينتهي الأمر بها عقب قص شريط الأفتتاح. تذكرت هذه (الحكاية) وأنا أشاهد وأقراء وأسمع، ماسببته السيول التي غمرت مدينة بريدة وكثير من مناطق ومدن ومحافظات المملكة خلال الأيام الماضية. وقد كشفت أن البنية التحتية، (أو ما تحت البشت لا البشت نفسه)، ضعيفة في كفاءتها وكفايتها، فالطرق جرفتها وشققتها السيول، وبعض المساكن الخاصة والمباني والمنشآت العامة التي تأسرك في شكلها بكت رؤوسها، أقصد سقوفها، وغرقت أقدامها، نتيجة دخول السيول عبر أبوابها ومداخلها. د. محمد بن صالح الربدي [email protected]