لم أر موضوعا نقرته الأقلام ومضغته الأفواه مثل ( نحن والآخر) ، وراح هذا الموضوع يتسع كدوائر الماء ، ويتكيف مع العقول والفهوم كالسائل في الإناء . وكل يمارس \"الأنوية \" بما تمليه عليه مكاسبه وشعوره بأهميته كمسلم أو عربي أو ممن ينتمي إلى عرق نبيل أو قبيلة ما أوعرق أبيض أو أسود أو من أهل البادية أو الحاضرة أوممن ينتمي إلى دولة أو حزب أوجماعة أو مؤسسة .. إلخ وبديهي عند علماء الاجتماع أنه كلما تخلفت المجتمعات كلما عادت إلى جذورها كصمام أمان يقيها الشعور بالضياع والانقراض ويكسبها شيئا من الاعتداد بالذات والقناعة بأنها لازالت شيئا مذكورا . وأكثر من يدندن حول هذه الفكرة ويجسدها كجدار حاجز في قبول العالم الوافد هم الدعاة الذين يفسرون مسألة الولاء والبراء بطريقتهم الخاصة ، أو زج المسائل الفقهية فيما يتعلق بأهل الذمة بمباحات طبيعية لاتتعلق بنصوص قطعية فأصبح العامي يسأل عن حكم المباحات وطلب الدليل على إباحتها ! هذا الأمر الذي دشن – مع الزمن – الانكفاء على القبيلة أو العائلة أو المدينة أو الحي أو الجماعة أو غيرها ، وصارت معلموا العلوم الانسانية في التعليم العالي والعام يقدمون في التاريخ والجغرافيا والدين على أننا \"شيء\" والآخرون \"شيء آخر \" ! فانفلقت الصخرة إلى عنصريات صغيرة .. عنصريات بين محافظات ومدن وصحف وألوان وأعراق وشلل ايدولوجية وشلل نوادي رياضية وحزبيات بين جماعات مثقفة غذتها المسابقات الجماهيرية .. وصار الجميع يطحن الجميع كالمحرك الذي نضب زيته فانسدت الآفاق لبلوغ غايات نبيلة راقية أصيلة ، واتهم النبيل بمماراة السفهاء ، وزج الشاب المبدع بحق بركب محبي الشهرة ولفت الأنظار ومخالفة السائد ، وصار \" مكانك سر \" شعارا معلنا في البطون .. وعندما يغار كثير من الغوغاء والمحبطين من قصور إمكاناتهم يلجأون إلى طعن هؤلاء بانتمائهم مهما كان هذا الانتماء .. وحتما سيجد هؤلاء الحسدة منفذا يناسب لؤمهم ، وتلك هي البيئة الطاردة للثقافة والعلم ، وتلك هي البيئة القامعة لكل من يفكر بالاقدام على الابداع والنهوض بالمجتمع . ولهذا لانستطيع أن نمسك بخيط محسوس بهذه الروائح العنصرية البغيضة ، ولكنها تجوس خلال الديار كالهواء وفي المجالس كالفيروسات المميتة وبأوامر من رؤوس أقلام مدببة ترسم على الماء وتخط في الرمال ، وتبقى المناهج محايدة يفسرها الأستاذ كيفما شاء ويلوي أعناقها كما الأعمال بالنيات ولكن لكل امرئ مانوى ..