أولا : عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير , تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ثانيا : ونحن نعيش أيام فرح وسرور , هي ايام العيد السعيد , تصدر من هنا وهناك أصوات تحمل الحقد والحسد على هذا اليلد العزيز وقيادته , مقرونة بالتسول والارتزاق عبر عدد من القنوات الفضائية النشاز , والمشكلة أن بعضها يصدر ممن هو محسوب من أبناء الوطن !! أقول : تذكرت ذلك وأنا أقرأ هذه الأيام عن محاكمة مجرب الحرب الصربي ( رادوفان كاراتيتش ) حيث لا زال الجميع يتذكّر دائماً وتمر من أمام مخيلته مذابح المسلمين في سربينتشا في إقليم البوسنة في التسعينات الميلادية على أيدي جلادي وجلاوزة الصرب، حتى أصبحت عبارة (البوسنة والهرسك) على كل لسان، بل ومناظر جثث الأطفال والنساء التي تم إخراجها من باطن الأرض بعد أشهر من المذابح الجماعية التي تعرضت لها، بل بعد سنوات أمام أعين الجميع, إذ تجاوز عدد ضحايا هذه المجازر الآلاف, والعالم كله يتفرج بما فيه قطبيه، بالرغم من وجود قوات كانت وقتها تمثّل ما يسمى بالأمم المتحدة من عدة دول. وكان يقف على رأس هؤلاء الجلاوزة والجلادين رجل عرفه العالم طوال تلك الفترة - وخصوصًا المسلمين منهم- بأنه خلف كل ما جرى؛ بل ومهندساً - مع الأسف - لكل هذه الأحداث, ألا وهو زعيم صرب البوسنة (رادوفان كاراديتش) والذي أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي أمرًا باعتقاله, لأن يده تقطر من دماء المسلمين الأبرياء، لكن معظم من سمع بهذا الخبر اعتبره نوعًا من الطرفة، إلا أن هذا الزعيم الوحشي أخذ الخبر مأخذ الجد واختفى عن الأنظار منذ عام 1995م, وبعد ثلاثة عشر عاماً من الاختفاء تم قبل أسابيع القبض عليه وسجنه, بل وبدأت محاكمته في محكمة العدل الدولية، فبدأ الناس - وبالذات المسلمين منهم - يتناقلون الخبر بفرح عارم واحتفالات, كل ذلك انتصارًا لهؤلاء الضحايا الذين تعمّد سحقهم قبل أكثر من عقد من الزمن؛ بل وكأنهم بفرحهم هذا قد فتحوا فلسطين أو أوروبا. لكن المعلومة التي كانت تخفى على الجميع وهي أن هذا الرجل كان منذ ثلاثة عشر عامًا تحت نظر مسؤولي دولته الصربية, بل وتحت نظر العالم, كما كان القبض عليه أو بالأحرى مناداته ليحضر جاهزة في أي لحظة، لكنهم لا يرون ذلك إطلاقًا من منطلق دولي يقول إن ما قام به هو القضاء على معارضة قامت داخل وطنه. بل والأدهى من ذلك أن سبب القبض عليه هو أن دولته صربيا كانت قد تقدّمت بطلب إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي كعضو رسمي، فتم رفض الطلب أكثر من مرة، وفي آخر محاولة طلبت الدول الأوروبية مجتمعة وبضغط من الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي كانت قبل سنوات خلف القبض على الرئيس الصربي والجزار الآخر ميلوسيفيتش, والذي يعيش الآن في فندق من فئة الخمس نجوم في لاهاي بعد محاكمة هزيلة اتخذت قرارًا بسجنه في فندقه لعدة سنوات سوف تنتهي قريبا, ليعود إلى مخدعه, علما بأنه لا يرغب أن يغادر سجن الرفاهية. المهم أنه بعد إلحاح من الولاياتالمتحدةالأمريكية بأن يكون ثمن انضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي هو تسليم جزارها رادوفان كارديتش، فطلبت دولة صربيا من ابنها المدلل أن يسلم نفسه تحت اسم القبض عليه كسفاح وجلاد يتم البحث عنه لعدة سنوات, فوافق على ذلك ليس لأنه يعترف بأنه مجرم حرب ويستحق أن تطبق عليه العدالة, بل وافق وفاء لوطنه صربيا وحبًّا لها يفوق الوصف والخيال, بالرغم من أنه دخل من باب وسيخرج من الباب الآخر في مشهد تمثيلي سبقه إليه زعيمه ميلوسيفيتش. وسواء كان القبض حقيقة أم مشهدًا تمثيليًّا فإن ما قام به هذا الجزار يعتبر وفاء وتقديرًا لوطنه بصرف النظر عما سوف يجري له. إنني أسوق هذا الدرس ليس إعجابًا به كجزار وجلاد قتل آلاف المسلمين, بل أسوق ذلك لأعطي مثالاً في حب الوطن الذي يتجاوز الحدود, حتى لو وصل إلى التضحية بالنفس وهي أغلى شيء على الإنسان, ولعلها تكون همسة في أذن كل مواطن وفي أي بلد كان في أقصى الأرض وأدناها, لكي يكون قدوة في تصرفاته التي تصدر منه فوق أي أرض وتحت أي سماء، ويعلم أنه ينتمي إلى كيان وينتسب إليه, بل وسوف يتم الثناء على وطنه من خلال تصرفاته الإيجابية، كما أنه سوف يتم انتقاد وطنه من خلال تصرفاته الرديئة, بل وعلى الإنسان أن لا يستكثر على وطنه أي تضحية يقوم بها من أجله؛ لا سيما وأن وطنه قدّم له الكثير والكثير في مقابل أن يكون خير ممثل له إذا كان خارجه, بل ويكون قدوة حسنة, كما يكون جاهزًا لأي مهمة يحتاجها الوطن منه. حفظ الله وطني من كل سوء ومكروه. واسعد الله أوقاتكم ومرة أخرى كل غام وأنتم بخير عبد الرحمن بن محمد الفرّاج الإيميل [email protected]