ربما تقود تصريفات الفعل الذاتي البشري إلى نوازع مختلفة من التوجهات، بعضها تيمم شطر الاستغراق في الحياة ومفاصلها اليومية أو إلى ما أسماه هيدغر بالوجود الزائف وبعضها يقود نحو التأمل والتدبر في مركزية الذات داخل هذه الفلاة، فتذهب الذات تضرب في كل اتجاه تبحث عن مسارات للتفكير، فتصنع بفعلها هذا الوجود الذاتي الحقيقي. تلك هي أداة التأمل والتفكير أن تصبح في حالة استنفار مستمرة لغرض جمع الأسئلة وطرحها ومن ثم التفكير بها وقياس أبعادها، ليصل العقل إلى أعلى مستوياته الناضجة وربما تكون أعلى مستويات التفكير أن يمتلك الباحث \"الرغبة\" في مقاربة السؤال وتذليله عبر استخدامه لعقله ولأدوات المعرفة الأخرى. وحينما نشغّل أفكارنا داخل تلك المحمية من الأسئلة فإننا نتجه نحو الصيرورة التي تحولنا \"فكرياً\" عن أفكارنا التي اعتدنا عليها، والتحوّل هو الشكل الذي يشرح حركة التفكير، والتحوّل عنوان حيوية في العقل وعنوان مسار فكري لا يهدأ، وهي الحركة الفكرية التي تتشبث بأسئلتها ولا تتخلى عن بذرة التفكير الذي هو \"السؤال\" مخالفة في هذا المنهج لكل المعارف العادية التي تريد أن تكتشف عبر المعلومات المتناثرة صحة ما تمتلكه من قناعات فتذهب تحشد الشواهد على قناعة ملقّنة لم تكن متولدة عن تفكير مستمر وعن توتر سؤالي عام، والفلسفة نهر يجري باستمرار بلا توقف وأستشهد بنيتشه حين يقول: (إن ملكة المعرفة هي كذلك نتيجة صيرورة) فالسير داخل حركة الفكر هو سير طبيعي وسير فكري داخل الجهد المعرفي والبحثي. في مناخ مغلق تغدو حركة التحول صارخة تشبه الصرخة العميقة، تأخذ صيغة احتجاجية وتأخذ مناخها الانشقاقي وتأخذ الذات المتحولة حظها من الدحض والإلغاء والتشويه والتهميش، وتأخذ الأقلام المنغلقة -المتشبثة بمسكوناتها الموروثة عن التلقين- كل جهدها من أجل العمل المتكاتف لإسقاط كل من حرّك أداة عقله واستخدمها لاكتشاف جغرافيا التفكير وتأخذ معركة الإسقاط أحياناً طابعاً روائياً ليصبح من انشق عن صخرة التقليد هو الضحية ليعلق من ثم في مشنقة التصنيف والاتهام. تلك هي الصيغة المتبعة في المجتمعات البشرية المغلقة منذ فجر التاريخ منذ سقراط وإلى غاليلو. ليست الجهة الفلسفية هي الجهة الوحيدة للتفكير لكنها الجهة المثالية، لأنها الساحة التي تظهر بشدة صدى السؤال، وقد عثرت على نص أليف لا يشرح شذرات فكرية بقدر ما يوصف بشيء من الشاعرية تلك الرحلة هذا النص هو لفريدريك نيتشه نفسه حين كتب في كتابه الشهير \"إنسان مفرط في إنسانيته\" قائلاً: (لا يزال الطريق طويلاً من هذه العزلة المرَضية، من بيداء سنوات تحسس الطريق، إلى حرية العقل الناضجة التي هي في ذات الوقت سيطرة على النفس وتأديب للقلب والتي تفسح المجال أمام طرق للتفكير متعددة ومتعارضة إلى هذه الشساعة الباطنية التي وقد أتخمت بالوفرة وضجرت منها تستشعر خطر أن يهيم العقل بطرقها ليتيه فيها وينام في ركن ما بعد انتشائه إلى ذلك الفيض من القوى الحيوية التي هي عربون الشفاء التام عربون إعادة التربية والبرء، هذا الفيض الذي هو دليل على الصحة الريانة والذي يمنح العقل الحر الامتياز الخطر بأن يحيا على سبيل التجربة وأن يعانق المغامرة، امتياز العقل الحر البارع في فنه! قد تكون المسافة الفاصلة بينهما سنوات طويلة من النقاهة، سنوات كلها تحولات متعددة الألوان). في ذلك النص الذي نقلته بطوله يجذب نيتشه كل السيناريو الذي يمكن للكائن المفكر أن يمر به، وربما تكون تلك الممرات ساخنة، وربما تكون التحولات سرية تحدث طي الكتمان، وربما غدا التحول لا يعني أحداً إلا صاحبه، هنا يركض المتسائل داخل المعرفة بأرجل قرويّة حافية مرة تلسعه رمضاء الحركة والبحث ومرة أخرى ينعم ببرد أرض المعرف وبلذة التفكير ومتعته، وبدفء المغامرة السؤالية داخل مفازات البحث، إنها الحديقة الغامضة التي تدخلك مع أبواب متعددة،أن تصبح في رحلة البحث يعني أن تكون في جوف الرغبة والشغف المعرفي أن لا تركن إلى الذين قلدوا فيمسّك الجمود لتنمو أدواتك الصوتية وتخف- بل تتجمد- آليات التفكير وأدوات البحث الرصينة التي تحتاج إلى طول نفس من أجل تمرينها وتدريبها قبل أن تموت وتذبل، تلك هي رحلة التفكير إنها رحلة كبرى وشاقة ولكنها رحلة تحدث تفاصيلها: داخل العزلة! فهد بن سليمان الشقيران [email protected] ================================================================ تعليقات الزوار منصور البراهيم ليلة عيد الأضحى الماضي كان ضيف برنامج خليك بالبيت الشاعر والمفكر السوري أدونيس، فوي نهاية الحلقة قرأ مقدم البرنامج فاكس مرسل من السعودية، يسأل فيه مرسله عن نظرة أدونيس لما تنتجه السعودية والخليج العربي من أدب ورواية وفكر، فقال: كنا نحن في السابق من يكتب المتن العربي وأنتم الحواشي ،الآن انقلبت الآية أنتم اليوم من يكتب الثقافة العربية وخصوصا السعودية ونحن الهامش، ولهذا فإن مسؤوليتكم مضاعفة. وأعتقد أنه يقصد اليوم أمثالك يافهد وأمثال المحمود وعبدالله المطيري وآخرين تعيش بهم السعودية مرحلة خصبة ودفاقة من الإنتاج والإبداع والقدرة على إنتاج الأفكار لم يسبق لها مثيل في تاريخها القصير. أتمنى أن يتجسد ماقاله هذا المفكر الكبير على أيديكم منى اشكرك على هذه المقالة التي تحث على التفكير الفلسفي والذي لايتحقق الا بالتفكير الناقد والتقكير الحر فهما المنهجية لإي تفكير فلسفي..... لقد أثرت موضوع مهم ...لايحتاج اليه الباحث فقط بقدر ما نحتاج ان ندرب عليه هذا الجيل والذي تفتقر مناهجه الدراسية الى تنمية مهارات التفكير وليت المأسأه تقف عند تلك المناهج التقليدية بل هي تمتد الى طرق التدريس التي يتخذها المعلمين والتي تعتمد على التلقين والحفظ فقط بدون تنميةالادارك المعرفي وفوق المعرفي من خلال التفكير ... سرعة الانجازات العلمية والتطورات التقنية تستوجب اعادة بناء المناهج الدراسية وتدريب المعلمين على استخدام مهارات التفكير حتى يكون هناك مخرجات من باحثين تمرسوا منذ الصغر على التفكير الابداعي صقر مقال من اروع ما قرات حول الفهم والتفكير خلف وقيت منذ اللحظة .. إذا وجدت اسم فهد سليمان الشقيران سوف أعتدل وأقرأ . مبهج أنت كما مطر تنز به قواحل صحراؤنا الممتدة بهوامش الناجز اليومي .. حين نتعاطاه بغفلة تدعو للانشداه .. هو ذات الأنشداه أيقضته زخاتك الندية .. لا أخفيك فقد اعتدلت وقرأت جيدا . تحياتي محايد اين انت من بريدة يافهد ؟؟ صالح اللاحم مميز مميز مميز وبس فهد الشقيران منصور البراهيم، منى، صقر، خلف وقيت، محايد، صالح اللاحم، آراء وإضافات راقية. ممتن للإطراء والمرور. فعلا التفكير سفينة بها نجوب محيطات الأشياء عبرها نستنفر إمكاناتنا الذهنية. أما النظريات الفلسفية فهي \"المجاديف\" التي تعيننا على تحريك سفينتنا نحو الإشعاع. نحو خيوط الضوء. تحياتي وسلامي. نصار قلم جميل وافكار هادفه وقبل ذلك عقل متزن ملئ بالمفاجأت قرأت مقالك السابق عن بريده فوجدت ان لها رجالا وقت الرخاء والشده الى الامام يافهد بانتظار القادم بارك الله فيك