سوف يذهب الرئيس أوباما يوم غد الخميس إلى «جراوند زيرو» رمز انهيار برجي التجارة في نيويورك، أو انهيار منظومة الأمن الأمريكي في هجمات 11 سبتمبر، وكأنه يريد رد الاعتبار وإعادة الثقة لدى الشعب الأمريكي بأن أمريكا إذا قالت فعلت، وها هي تقدم رأس أسامة بن لادن قصاصا للضحايا الذين حصدهم الهجوم الانتحاري، وهدية لشرف العظمة الأمريكية المختالة التي هبطت في ذلك اليوم إلى مستوى جراوند زيرو .. قرابة عشر سنوات وثلاث رئاسات حتى انتهت مطاردة بن لادن وإلقاء جثته في البحر، وهي مطاردة لا تزيد عن كونها حلقة من مسلسل طويل من تأليف وإخراج الإدارة الأمريكية، لكن أحداثها تمردت على المؤلف والمخرج ووضعت مسارا خاصا بها أربك المسلسل برمته وجعل المتفرجين يعيدون النظر في فهمهم لكل ما تضمنه المسلسل. ومثلما أصبحت هوليوود رمزا للسينما الأسطورية، فإن الإدارة الأمريكية هي الرائدة بلا منازع في إنتاج الأفلام والمسلسلات السياسية وامتلاك الحقوق الحصرية لتوزيعها في كل أنحاء العالم، لكنها في بعض الأحيان تفشل في تماسك أحداث وسياق بعض الأفلام، أو تفاجأ بأن البطل أو بعض الشخصيات تخرج من شاشة التمثيل وتنقض على كل تفاصيل النص والسيناريو، وما أسامة بن لادن إلا مثال على ذلك. القاعدة تشبه النبتة التي تحورت جينيا بعد أن وضعت أمريكا بذرتها. أمريكا لم تردها بشكلها النهائي الذي أصبحت عليه لكنها المسؤولة عن تخصيب التربة ووضع البذرة فيها ورعايتها حتى نبتت ونمت وتجذرت ثم فاجأت من زرعها بظهور أشواك حادة لم يكن يتوقع ظهورها. ولو تم توظيف منطق السببية فإن المسؤول الأساسي عن كل الأحداث الدامية ومنها أحداث 11 سبتمبر هو المزارع المغامر الذي وضع بذرة القاعدة في أرض العالم ثم أصبح أحد ضحاياها. ليس بوسع أمريكا الآن أن تزعم الخلاص من الإرهاب بالقضاء على شخص بن لادن لأن القضية لم تعد في وجوده أو اختفائه وإنما في رمزيته والفكر الذي أسسه والذي لولا أمريكا لم يكن لينشأ ويصبح فكرا تمدميريا إلى هذا الحد. وإذا أرادت أمريكا أن تطمئن شعبها والعالم فليس بالاحتفال بعملية القضاء على بن لادن وإنما في التوقف عن إنتاج الأفلام التي تتحول إلى أفلام رعب في النهاية.