في كل ليلة من ليالي نهاية الاسبوع، تطالعنا القنوات الفضائية بمسرحيات ضاحكة وهزلية للتخفيف من متاعب العمل طيلة الاسبوع، وكذلك يفعل بريدي الالكتروني في هذه الفترة اذ يستقبل رسائل بريدية تزدهر مواعيد ارسالها في الاوقات التي تنشط فيها الخفافيش، الى ان وصلت بي الى مرحلة الانزعاج، ولكنها تتشابه مع مسرحيات نهاية الاسبوع بانها مضحكة بما تحتويه رغم انني اصنفها تحت باب "شر البلية". جاء في الرسالة البريدية أن مجلس الكونجرس الامريكي يطلب التحقيق في نشاط لغسيل اموال تم من قبل اطراف وبنوك في منطقة الخليج وعن طريق بنوك أمريكية، وبحسب ما ورد في "الاسيوشيتت برس" طلب النائب الجمهوري بيتركينغ بفتح التحقيقات بشأن الثغرات في نظام الرقابة المصرفي الوطني، والتي من خلالها استخدمها رجال اعمال خليجيين في غسيل الاموال لتمويل عمليات ارهابية داخل امريكا وخارجها . ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو التسائلات التي لم اجد اجابات لها في حينه، ودفعني الفضول الى البحث في معرفة تلك الاجابات، وهي لماذا كتبت الرسالة باللغة العربية؟ ولماذا ارسلت الي من طرف مجهول؟ ولماذا استهدفت التشهير باسماء رجال اعمال بالمنطقة؟ ومن وراء الزج بتلك الاسماء في قضية الهدف من وراءها لا يخدم اقتصاد المملكة ولا الوطن العربي؟ ومن قدم الحوافز لعضو الكونجرس المتطرف بيتر كنج لتبني محاولة استصدار قرار يضر بالاقتصاد الوطني الخليجي؟ ويبدو ان عادة الدراسة البحثية في تحليل القضايا الاقتصادية اصبحت ملازمة لي في فهم الامور، فلا يمكن ان تمر تلك الاسئلة علي دون اجابة مقنعه، والا فان النوم سوف يجافي اجفاني، فبدأت محاولة فهم تلك المسرحية، والبحث عن اجابات لتلك الاسئلة، ومن محتوى تلك الرسالة بدأت الرحلة، جاء فيها تسجيلا لتلك الجلسة في الكونجرس الامريكي، فاستمعت اليها كاملة، قال رئيس المجلس في بداية الجلسة مايلي: قبل استماعنا الى شهود اليوم، يجب ان اضع هذه الشهادة في تقييمها الصحيح، فجميعنا يعلم اهمية ان تكون اساليب التمويل لدى القطاع المصرفي تسير بالاتجاه الصحيح وان نظام الدولة في هذا الصدد يتوافق وما نسعى اليه من سلامة تلك التمويلات، مضيفا بان تلك الشهادات التي سيستمع اليها المجلس تحتوي على ادعاءات وان اطراف وجهت اليها تلك الادعاءات ليست موجوده بالجلسة ولا يوجد للمجلس حقائق او ادلة حولها، وان المجلس ليس جهة قضائية. بدأ الاستماع الى شهادة اربعة اشخاص، لفت انتباهي واحدا منهم، لا لشخصه بل لمنصبه ومن يمثل قانونياً، وهو "إرك لويس" شريك لويس روبنسون باك، ومحامي "مجموعة أحمد حمد القصيبي، من هذه الشخصية بدأت تتكشف بداية الخيط وراء سيناريو المسرحية، فهؤلاء الشهود استند إليهم مقدمو طلب الاستماع وهم من الأعضاءاليمينيين في الحزب الجمهوري، بشأن حركة (تريليون دولار أمريكي) بين مؤسسات مالية بالشرق الأوسط وبنوك أمريكية على مدى ست سنوات حتى مطلع العام الماضي.. رغم ان رقم المبلغ الذي ذكره الشهود يصيبني بالحساسية وصعوبة نطقه، الا انه احد الفصول المضحكة في هذا المسرحية، فهو رقم يعادل ضعف ميزانية وزارة الدفاع الامريكية.. استمعت الى ماقاله السيد "اريك"،و اصابتني عباراته وكلماته بصدمة بالغه كونه يمثل طرفا عربياً مسلماً سعودياً، ومحامياً لواحدة من المجموعات الاقتصادية العريقة، لم يعهد عنها جفاء أوعداء لما يفيد المنطقة واقتصادها، فقد انهال "اريك" بوابل من الاساءات والاتهامات لاشخاص عرف عنهم عطاءهم وولائهم لهذا الوطن، ومؤسسات جعلت نصب عينيها نماء وازدهار وطن غالي ومواطنين مخلصين. اطلق محامي القصيبي سيل اتهاماته سعياً لكسب مصلحة شخصية وهذا الامر الذي أعمى عين المحامي وموكليه عن الضرر الذي قد يحدث نتيجه هذه التصرفات، واما عن تبني عضو يميني متطرف هو "بيتر كنج" لهذا الموضوع فالسبب وراءه التقاء مصلحة المحامي الخاصة مع مصلحة الحزب اليميني المتطرف بالكونجرس الامريكي في الاساءة للوطن العربي والاسلام. الوسيلة التي سلكها محامي القصيبي اساءة الى الوطن واقتصاده وسمعته، فقد استغلت قضية النزاع القضائي والخلاف القانوني بين مجموعة القصيبي ومجموعة سعد لاقحامهم كمثال يسعى الجناح المتطرف بالمجلس الى استصدار قرار من الكونجرس يعيق العمل المصرفي والاقتصادي للمؤسسات المصرفية في المملكة ودول الخليج الأخرى، وبالتالي سيعم الضرر على الجميع. رميت التهم والاساءات و طالت العديد من رموز الاقتصاد في الوطن العربي، بعد ان وصل النزاع بين الطرفين الى طريق مسدود في القضاء الامريكي ورفضت دعوى مجموعة القصيبي، بعد أن استنزف سيادة المحامي كل ما لديه من تهم التزوير والاحتيال، وبالتأكيد استنزف من اطراف اموال طائلة دون جدوى، اتجه الان الى الكونجرس ليكيل تهم غسيل الاموال، بالطبع لا نطالب السيد "اريك" ان يكون حريصاً على مقدرات هذا الوطن المعطاء، لكن من نلومه هنا هو الطرف الذي يمثله المحامي الهمام، الا اذا كانوا ينقادون دون هدى الى هذا الطريق. انطلاقا من مقولة: «تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية غيرك»، فقد حذرت في مقالي السابق، لما قام به السيد سعود القصيبي ومحاميه من تصرفات قد لا تحمد نتائجها، فان سوء التصرف إلى حد الاعتداء والاساءة على النظام الاقتصادي والنظام المصرفي فهي تصرفات مرفوضة شكلا ومضمونا ويفترض ألا نقبل من أي طرف كان الإساءة للوطن وان لا نكتفي بالفرجة، وعلى وسائل الاعلام المختلفة ان تتصدى لمثل تلك الإساءات من اي طرف كان. لهذا أنا أرى أنه يجب تصحيح مفاهيم "حرية المصلحة" عند بعض أبناء هذا الوطن من أولئك الذين يسعون الى استغلال اي وسيلة ممكنه لتحقيق مصالحهم الشخصية أو يكونوا أداة في يد من يريد سوء بهذا الوطن وانجازاته، فيظهرون في المحافل القضائية أو الاعلامية او غيرها بتسويق الاتهامات ويكيلون التهم لرموز وشخصيات ومؤسسات اقتصادية، ان مثل تلك التصرفات يمكن وصفها بأنها اساءة للوطن، ولمؤسساته وشعبه من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وما هو مهم أن يؤخذ على أيدي هؤلاء الذين يسيئون لدينهم ووطنهم وعدم تركهم يمارسون حرية الإساءة عبر حرية المصلحة. *دكتور في علوم الاقتصاد