الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد بدأ الطيران بمحاكاة الإنسان للطيور، والتي ولّدت لديه إحساساً بحاجته إلى ارتياد الجو وهذه حاجة لم تكن وليدة أيام أو شهور، وإنما هي وليدة عقود عديدة من السنين. فبعد أن كان ارتياد الجو فكرة تداعب عقول البشر، وكانت شيئاً يشبه المستحيلات، ولم تتعد هذه الفكرة كونها أساطير يرويها الإخباريون في كتبهم( 1). كما أن المسلمين يعتبرون هم أول من فكر بالطيران، وترجم هذا التفكير عملياً، ولا أدل على ذلك من محاولة العالم العربي المسلم عباس بن فرناس ( 2) الأندلسي الطيران وذلك عندما كان منهمكاً بدراسات متعمقة عن الطيران، فقام بإجراء تجربته في الطيران وذلك عندما كسا جناحين كبيرين بالريش مثبتين حول ساعديه ، وقفز من فوق برج شاهق وطار مسافة قصيرة ثم ما لبث أن سقط متأثراً في ظهره( 3). وكذا الإمام الجوهري( 4) يعتبر ثاني من حاول الطيران بعد عباس بن فرناس ومات في سبيله، إذ وضع جناحين من الخشب وربطهما بحبل، ثم صعد فوق سطح داره، ونادى في الناس: لقد صنعت ما لم أسبق إليه وسأطير الساعة، فازدحم أهل نيسابور ينظرون إليه، متأبط الجناحين ونهض بهما، فخانه اختراعه وسقط إلى الأرض ميتاً( 5). وهذه التجربة تعتبر أول تجربة في الطيران، وبالرغم من الحوادث المؤسفة التي انتهت بها تلك المحاولات إلا أنها خطوة في طريق التقدم في مجال الطيران. وليس كما يدعيه بعض الكتاب الغربيون، وهذا يدل على أن المسلمين كانت لهم حضارة وعلم في شتى الأنواع النظرية أو التجريبية ، بل لقد كان لهم سابق الفضل في كثير من الاكتشافات الحديثة ولا يغالط في هذا إلا جاهل أو حاقد (6 ). ويذكر الباحثون أن الإنسان لم يكن تركيب جسمه وشكله الخلقي يساعده على الطيران، فهو ثقيل الوزن وشكله غير انسيابي وتكوّن عظامه وترتيب عضلاته لا يناسب استخدام الأجنحة، فدفعه ذلك إلى أن يفكر في إيجاد وسيلة تمكنه من الطيران أضف إلى ذلك أن كل علم لابد من معرفة أسراره ودقائقه حتى يمكن الإفادة منه، وتطويعه لخدمة الإنسان، لذلك لم يستطع الإنسان من النجاح في الطيران وتحقيق ما كان يحلم به إلا بعد دراسات وتجارب طويلة المدى، حتى تمكن من معرفة سر هذا العلم وذلك بهداية الله إلى ذلك( 7 ). إن التفكير والتفكر من أهم الأسباب التي تدعو إلى الاكتشاف والابتكار ومعرفة أسرار الكون والصنع فتأمل قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) ( 8 ).الآية. وهنا يبين سبحانه أن عامل الطيران وسبب الارتفاع الذي يعمل على طيران الطائر هي الأجنحة ، ولو وقف المسلم متأملاً جناح الطائر وأعمل التفكير لعرف السر في ذلك ولاستطاع أن يصمم هيكلاً كهيئة الطير وجناحاً كجناح الطير يتناسب ويتناسق ليطير كما يطير الطير مع فارق الدرجة والكفاءة( 9). وهي أيضاً: مستوحاة من قوله سبحانه: ( أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)( 10). وفيها أن الله سبحانه وتعالى قد أودع نواميس في هذا الكون تكون بإذنه قادرة على أن تمسك الطير في جو السماء ، وعلى الإنسان أن يعمل التفكير لتكون هذه النواميس بجانب الهيكل المشابه لهيئة الطير والجناح المطابق لجناح الطير ، وكذلك فإنها إشارة لنا لاكتشاف الطيران الشراعي وذلك بالنظر إلى بعض الطيور التي تفرد أجنحتها مدداً طويلة لا يرفعها إلا التيارات الصاعدة. وقوله تعالى: ( وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ) ( 11)فكما أن هناك طيوراً وديعة فهناك طيور يمكن أن تكون بإذن الله سرايا مقاتلة ترد الكفر وأهله ، وإذا كان هناك إمكانية صناعة طائرات مدنية فهذه الآية ترشدنا بأن في الإمكان صناعة طائرات حربية لها سرعة انقضاض النسر حيث تبلغ 350 كيلومتر للساعة( 12). لذلك اتجه المهتمون بالطيران إلى ملاحظة الطيور في طيرانها ، بغية الوصول إلى معرفة كنه هذه الوسيلة. وعليه : فينبغي على المسلمين اليوم أن يبدؤوا من حيث انتهى غيرهم الطائرات سلاح مهم وحاجة ملحة والعدو يعتمد عليه فاليهود يصنعون والغرب كذلك والرافضة المجوس في إيران والوثنيون في الصين والهند وبقي المسلمون أهل السنة . وإن كان هناك جهود مبذولة من بعض الدول كماليزيا وغيرها ولكن يجب أن تكون صناعة الطائرات المدنية والحربية خطة استراجية للمسلمين إذا أرادوا العزة والقوة والمنعة والتقدير والاحترام والدفاع عن البلاد والعباد وحقوق المستضعفين من المسلمين في العالم . (1) وذلك مثل الأسطورة اليونانية التي تحكي أن (ديدالوس) وابنه (إيكاروس) كانا سجينين في قصر بناه أحد الملوك ، ولكنهما أفلحا في الإفلات منه باستعمال جناحين كالطير ملصقين بالجسم بمادة الشمع وسقطا في بحر إيجة في مكان اشتهر باسمه.ينظر: صفحات من تاريخ الطائرة لسبأ باهبري ص4. (2) هو عباس بن فرناس بن ورداس التاكريني (وقيل التاكراني) القرطبي، من موالي بني أمية في الأندلس، مخترع أندلسي من أهل قرطبة، ظهر في عصر الخليفة عبد الرحمن الثاني بن الحكم، كان عالماً ومهندساً وفيلسوفاً، يعتبر أول من استنبط صناعة الزجاج من السيلكا، كما قام بصناعة الميقاتة وهي ساعة لقياس الوقت، وترجع تجربته هذه عام 267ه وتوفي سنة 274ه وقيل غير ذلك.ينظر : نفح الطيب للمقري 2/374 ، المغرب في حُلى المغرب لأبن سعيد المغربي 1/ 333. (3) ينظر : نفح الطيب للمقري 2/374 ، المغرب في حُلى المغرب لأبن سعيد المغربي 1/ 333 ، 334. (4) هو إسماعيل بن حماد الجوهري، أبو نصر الفارابي التركي، أحد أئمة اللسان واللغة والأدب ، وخطه يضرب به المثل في الحسن، وكان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلماً، مات سنة 393ه. وله من المصنفات: تاج اللغة، وصحاح العربية، وكتاب في العروض، ومقدمة في النحو. ينظر: معجم الأدباء لياقوت الحموي (6/151-156)، يتيمة الدهر للثعالبي (4/406)، لسان الميزان (1/400-401). (5) ينظر: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي 1/446، شذرات الذهب لابن العماد 2/142، معجم الأدباء لياقوت الحموي (6/151-156)، يتيمة الدهر للثعالبي (4/406) . (6) ومن الباحثين المحققين في مجال الطيران الدكتور: أحمد بن ظافر القرني وفقه الله، قال: في كتابه العلم والإيمان في الفضاء والطيران ص201 وما بعدها، ( بعد تأمل واستقراء لا أحد يستطيع أن يجزم في الاعتقاد عن كيف وأين ومتى ومَنْ من الأمم بدأ في التفكير في الطيران وتطبيقه، وكتب التاريخ من عادتها عدم ضبط الحقيقة كلها كما هو معروف، ولو فتحنا أحد الكتب الغربية والمترجمة لأبناء العربية لوجدنا جلها إن لم يكن كلها يعظم قصص الغرب وأبطالهم في الطيران، ويهضم بإصرار حق المسلمين ومشاركاتهم العظيمة في مجالات كثيرة ومنها علم الطيران، وترى المسلمين يعجبون بما قدمه الغرب ويعظمون أممهم، وهذا وقع فيه حتى كبار المثقفين والأدباء، فمثلاً الشاعر أحمد شوقي يقول في بعض قصائده مادحاً فرنسا عندما قدم بعض الفرنسيين طائرتين إلى مصر في عام 1914م: (يا فرنسا) نلت أسباب السماء وتملكت مقاليد الجواء يا نسوراً هبطوا الوادي على سالِف الحُبِّ ومأثور الولاء داركم مصر وفيها قومُكم مرحباً بالأقربين الكرماء* * الشوقيات، لأحمد شوقي (2/3-6، 88-91). وقد مكن الله سبحانه لمجموعة من البشر المختارين بالتحليق والعلو عن الأرض، وذلك كإعجاز أو آية من آيات الله سبحانه، ومن هؤلاء نبي الله سليمان ^: قال القرطبي رحمه الله : إن الله سبحانه ليّن الريح مع قوتها وشدتها حتى لا تضر بأحد، وتحمله بعسكره وجنوده وموكبه إلى حيث أراد ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 15/134. وكذلك مكن للرسول محمد نوعا من الصعود والعلو سواء كان بالإسراء إلى بيت المقدس على الدابة أو المعراج بعد ذلك. ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/5. والحديث له روايات منها ما أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء 1/135، ومسلم في كتاب الصلاة ، باب الإسراء برسول الله إلى السماوات وفرض الصلوات 1/145 ، بإعجاز إلهي يعلم كيفيته الله في الإسراء والمعراج سورة الإسراء: آية (1). ثم تلى ذلك محاولات للطيران بدون إعجاز إلهي، وقد كتب مؤرخو الأمم عن تاريخ الطيران، وكان لكثير من الأمم روادها الحقيقيون أو الخياليون. ينظر: العلم والإيمان في الفضاء والطيران د. أحمد بن ظافر القرني ص203-204. (7) ينظر: الموسوعة العربية العالمية 15/404 وما بعدها. (8) سورة الأنعام، آية: (38). (9) ينظر: الطائر والطائرة م. يوسف محمد أبوراس ص51. (10) سورة النحل، آية: (79). (11) سورة الفيل ، آية: (3). (12) الطائر والطائرة م. يوسف محمد أبوراس ص51، 52 . الرسالة